أنتلجنسيا المغرب:أبو فراس
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، قررت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حرمان المغرب من منحة مالية سنوية موجهة لدعم قطاع التعليم، والتي كانت تتجاوز مليار درهم.
هذا القرار، الذي جاء في إطار مراجعة المساعدات الخارجية الأمريكية، شكّل صدمة كبيرة للجهات التعليمية بالمغرب، خاصة أنه تزامن مع مرحلة حرجة كان فيها النظام التعليمي المغربي يسعى إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية تستهدف تحسين جودة التعليم وتحقيق العدالة المعرفية بين مختلف فئات المجتمع.
السياق العام للقرار
جاءت هذه الخطوة في إطار سياسة ترامب القائمة على إعادة النظر في المساعدات الخارجية، حيث كان يسعى إلى تقليص الإنفاق الحكومي على برامج الدعم الموجهة للدول النامية، معتبرًا أن بعض هذه المساعدات لا تحقق النتائج المرجوة بالنسبة للمصالح الأمريكية.
كما أن إدارة ترامب كانت قد أطلقت مجموعة من السياسات التي ربطت الدعم الخارجي بمعايير جديدة تتعلق بالمردودية والالتزام بمواقف سياسية معينة تتماشى مع التوجهات الأمريكية، وهو ما جعل عدة دول، تفقد جزءًا مهمًا من المساعدات المالية التي كانت تعتمد عليها في تطوير بعض القطاعات الحيوية.
التأثير على المنظومة التعليمية المغربية
لطالما شكلت هذه المنحة الأمريكية دعمًا رئيسيًا للعديد من البرامج التعليمية بالمغرب، خاصة تلك المتعلقة بتطوير البنية التحتية للمدارس، وتعزيز التكوين المهني، وتحسين مستوى التأطير والتدريس. ومع فقدان هذه المساعدة، واجهت وزارة التربية الوطنية تحديات كبيرة، حيث كان لا بد من البحث عن بدائل تمويلية لتعويض هذا العجز المفاجئ.
ويعود جزء كبير من هذه المنحة إلى برامج شراكة بين الحكومة المغربية ومؤسسة "التحدي الألفي" (Millennium Challenge Corporation)، التي كانت تساهم في تحسين جودة التعليم عبر دعم مشاريع البناء والتأهيل، وتوفير التجهيزات الحديثة، إضافة إلى تعزيز برامج التكوين المستمر للأساتذة. ومع إيقاف هذا التمويل، تضررت العديد من المبادرات التي كانت في طور التنفيذ، مما أثر سلبًا على جودة التعليم، خاصة في المناطق القروية التي كانت تعتمد بشكل أساسي على هذا الدعم.
تداعيات القرار على العلاقات المغربية الأمريكية
رغم أن القرار اعتبر جزءًا من سياسة ترامب الخارجية، إلا أنه ترك أثرًا واضحًا على العلاقات الثنائية بين المغرب والولايات المتحدة.
فالمغرب يعتبر شريكًا استراتيجيًا لواشنطن في المنطقة، خاصة على المستوى الأمني والاقتصادي، حيث تربط البلدين اتفاقيات تعاون في عدة مجالات، من بينها مكافحة الإرهاب، والتبادل التجاري، والاستثمارات.
وقد دفع هذا القرار الحكومة المغربية إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية لمحاولة إعادة التفاوض بشأن هذه المساعدات، لكن الإدارة الأمريكية ظلت متشبثة بسياساتها التقشفية في ما يخص الدعم الخارجي.
البحث عن بدائل محلية ودولية
في ظل هذا الواقع الجديد، لجأت الحكومة المغربية إلى مجموعة من البدائل لتعويض هذا النقص في التمويل. فقد تم توجيه جزء من ميزانية الدولة إلى دعم البرامج التعليمية الأساسية، كما تم تعزيز الشراكات مع الاتحاد الأوروبي ودول الخليج للحصول على تمويلات إضافية.
كما راهنت الحكومة على القطاع الخاص من خلال تشجيع الاستثمارات في التعليم، سواء عبر إنشاء مدارس خاصة، أو عبر تمويل مشاريع تعليمية تستهدف المناطق الفقيرة. غير أن هذه البدائل لم تكن كافية لتعويض الخسارة التي خلفها قرار ترامب، ما جعل القطاع يواجه صعوبات كبيرة على مستوى التنفيذ الفعلي لمجموعة من المشاريع التي كانت مبرمجة.
هل يعود التمويل الأمريكي للتعليم المغربي؟
بعد مغادرة ترامب للبيت الأبيض، ظهرت بعض المؤشرات التي توحي بإمكانية استعادة المغرب جزءًا من هذه المساعدات، خاصة أن الإدارة الديمقراطية بقيادة بايدن تُظهر اهتمامًا أكبر بالتعاون الدولي في مجال التعليم والتنمية. إلا أن الوضع الاقتصادي العالمي، وتغير أولويات الدعم الأمريكي، جعلا هذه العودة غير مضمونة بالكامل.
ورغم أن العلاقات المغربية الأمريكية استمرت في التحسن في عدة مجالات، إلا أن ملف المساعدات الخارجية بات يخضع لمعايير أكثر صرامة، حيث أصبح التركيز ينصبّ على المشاريع التي تحقق تأثيرًا مباشرًا وسريعًا، بعيدًا عن الدعم التقليدي طويل الأمد.
هذا، ويعدّ قرار إدارة ترامب بحرمان المغرب من منحة سنوية مخصصة للتعليم مثالًا على كيفية تأثر الدول النامية بالتغيرات السياسية في البيت الأبيض. ورغم الجهود التي بذلتها الحكومة المغربية لتعويض هذا النقص، إلا أن تأثيره لا يزال واضحًا، خاصة على مستوى بعض المشاريع التي كانت تعتمد بشكل أساسي على هذا التمويل.
ففي ظل التحولات الراهنة، يبقى السؤال المطروح هو: هل سيتمكن المغرب من إعادة تأمين هذا النوع من الدعم في المستقبل؟ أم أن سياسة "تقليص المساعدات الخارجية" ستظل النهج السائد في الإدارات الأمريكية المتعاقبة؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك