أنتلجنسيا المغرب:أبو فراس
يشهد المغرب تحولات عميقة في مختلف المجالات، ولم يكن قطاع الرياضة بمنأى عن هذه الدينامية الإصلاحية، حيث يُنتظر استجابة السلطات لمجموعة منالمطالب وإعلان نيتها عن إحداث المجلس الأعلى للرياضة، وهو قرار اعتبره البعض خطوة جريئة نحو إعادة هيكلة المشهد الرياضي المغربي، بينما يرى آخرون أنه مجرد إجراء تجميلي لن يكون له تأثير حقيقي على أرض الواقع، خاصة في ظل تغلغل الفساد وسوء التدبير في عدد من المؤسسات الرياضية.
وسيأتي إنشاء هذا المجلس في سياق تزايد الجدل حول الفساد المالي والإداري في الرياضة المغربية، خاصة مع تكرار الفضائح المرتبطة بسوء تسيير الجامعات الرياضية، وضعف البنية التحتية، وعدم الشفافية في توزيع الميزانيات والدعم العمومي. وعلى الرغم من المجهودات التي بذلتها الدولة خلال السنوات الأخيرة في سبيل تحسين الأداء الرياضي، سواء على مستوى المنتخبات الوطنية أو الأندية، إلا أن المشاكل البنيوية لا تزال قائمة، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة المجلس الأعلى للرياضة على فرض رقابة صارمة وتحقيق تغييرات ملموسة.
يتطلع الشارع الرياضي إلى أن يكون هذا المجلس هيئة رقابية مستقلة، تمتلك سلطة حقيقية لمراقبة التسيير المالي للجامعات والأندية والجمعيات الرياضية، خصوصًا وأن الشبهات طالما حامت حول طريقة تدبير الأموال العامة التي تُضَخُّ في المجال الرياضي. فمنذ سنوات، كان هناك حديث عن فساد مالي في عدة جامعات رياضية، واختلالات في التدبير المالي لبعض الأندية الكبرى، دون أن تُتَّخذ إجراءات حاسمة ضد المتورطين، وهو ما ساهم في ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب.
إلى جانب محاربة الفساد، يُنتظر من المجلس الجديد أن يكون فاعلًا في تطوير استراتيجيات النهوض بالرياضة الوطنية، خاصة فيما يتعلق بإرساء حكامة جيدة داخل الجامعات والأندية، وضمان شفافية الانتخابات الرياضية، وتطوير البنية التحتية، وتوسيع قاعدة الممارسة الرياضية في مختلف أنحاء المغرب، سواء على مستوى الرياضة الاحترافية أو القاعدة الجماهيرية.
لكن التحدي الأكبر يظل في مدى استقلالية المجلس عن التدخلات السياسية، حيث اعتاد القطاع الرياضي في المغرب أن يكون رهينة لمصالح سياسية وانتخابية، مما جعل بعض المناصب الرياضية تُمنح بناءً على الولاءات بدلًا من الكفاءة. لذلك، فإن نجاح المجلس في أداء مهامه سيظل رهينًا بمدى تمتعه بصلاحيات فعلية، بعيدًا عن الحسابات الضيقة التي عطّلت تطور الرياضة المغربية لعقود.
ومع اقتراب المغرب من احتضان كأس الأمم الإفريقية 2025 ومشاركته المرتقبة في تنظيم كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال، فإن إصلاح المنظومة الرياضية لم يعد خيارًا بل ضرورة حتمية. فالتحديات المقبلة تستوجب بنية تدبيرية قوية ومؤسسات شفافة تضمن أن تكون الرياضة المغربية نموذجًا يُحتذى به، بدل أن تظل رهينة لواقع مترهل يُعيق تحقيق طموحات الجماهير والمسؤولين على حد سواء.
في ظل كل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم: هل سيُحدث المجلس الأعلى للرياضة قطيعة حقيقية مع الفساد الرياضي، أم أنه سيكون مجرد هيئة أخرى تُضاف إلى قائمة المؤسسات التي وُجدت دون أن يكون لها أثر يُذكر؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا التساؤل.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك