أنتلجنسيا المغرب:الرباط
كشفت صحيفة "الباييس" الإسبانية، المعروفة بتغطياتها الدقيقة للشؤون الدولية، عن معطيات مثيرة حول نشاط شبكات تهريب المهاجرين غير النظاميين انطلاقًا من السواحل الموريتانية نحو أوروبا. ووفقًا للصحيفة، فإن سماسرة التهريب يتمتعون بمعلومات دقيقة حول توقيت ونقاط تحرك دوريات المراقبة، مما يتيح لهم تنظيم رحلاتهم بعيدًا عن أعين السلطات الأمنية.
بحسب التقرير، يتسم عمل شبكات التهريب هذه بالتخطيط الدقيق والتنسيق العالي بين أفرادها، حيث تُوفر للمهاجرين أماكن إقامة مؤقتة في مناطق آمنة بعيدًا عن أنظار السلطات، إلى حين لحظة انطلاق رحلاتهم المحفوفة بالمخاطر. غالبًا ما تكون هذه المواقع مجهزة بالحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية، مع وعود براقة بحياة أفضل في الضفة الأخرى من البحر المتوسط.
اللافت في هذا السياق، هو قدرة هذه الشبكات على استباق تحركات الدوريات البحرية والجوية، مما يثير تساؤلات حول مصدر المعلومات التي تحصل عليها. وتشير "الباييس" إلى احتمال وجود تسريبات أو تواطؤ من داخل بعض الأجهزة الأمنية، وهو ما يضاعف من تعقيد هذه الظاهرة التي تمثل تحديًا حقيقيًا للدول المعنية.
يروي التقرير تفاصيل دقيقة عن مسار العمليات، حيث تبدأ رحلة المهاجرين عادةً بالتواصل مع السماسرة، الذين يقدمون أنفسهم على أنهم المنقذون لحياة الباحثين عن فرص جديدة في أوروبا. يتم الاتفاق على تكلفة الرحلة، التي تتفاوت بناءً على الوجهة وعدد الركاب ونوع القارب المستخدم. في بعض الأحيان، يتم استخدام قوارب متهالكة تزيد من خطورة الرحلة، وهو ما يؤدي إلى كوارث إنسانية متكررة في عرض البحر.
ووفقًا للصحيفة، فإن السواحل الموريتانية أصبحت مؤخرًا واحدة من النقاط الساخنة لانطلاق عمليات الهجرة غير النظامية، نظرًا لقربها النسبي من جزر الكناري الإسبانية، التي تشكل بوابة رئيسية للمهاجرين نحو أوروبا. ومع ذلك، فإن هذه الرحلات لا تخلو من المآسي، حيث لقي الآلاف من المهاجرين حتفهم خلال السنوات الأخيرة أثناء محاولتهم عبور البحر، نتيجة انقلاب القوارب أو نقص الإمدادات.
من جهة أخرى، تواجه السلطات الموريتانية ضغوطًا متزايدة من الدول الأوروبية لتعزيز الرقابة على سواحلها ووقف تدفق المهاجرين. لكن، وبالرغم من الجهود المبذولة، فإن الشبكات الإجرامية تستمر في تطوير أساليبها للتغلب على العقبات الأمنية، مستفيدةً من ثغرات قانونية وأحيانًا من تعاون غير مشروع.
هذا الوضع دفع العديد من المنظمات الحقوقية إلى توجيه انتقادات حادة للسياسات الأوروبية المتعلقة بالهجرة، والتي تركز على تعزيز الحواجز الأمنية دون معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع هؤلاء الأشخاص للمخاطرة بحياتهم. الفقر، الحروب، وانعدام الفرص في بلدانهم الأصلية هي عوامل رئيسية تدفع آلاف الشباب لخوض هذه المغامرات الخطرة.
في خضم هذه الأزمة، يظل التعاون الإقليمي والدولي هو الحل الوحيد لمواجهة هذه الظاهرة المتفاقمة. لكن، وحتى يتحقق ذلك، ستستمر شبكات التهريب في استغلال طموحات المهاجرين وأحلامهم بحياة أفضل، بينما تظل السواحل الموريتانية شاهدة على واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيدًا في العصر الحديث.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك