منصة متخصصة تكشف تواطؤ الإعلام الغربي وتحيزه لإسرائيل خلال تغطيته لحرب غزة

منصة متخصصة تكشف تواطؤ الإعلام الغربي وتحيزه لإسرائيل خلال تغطيته لحرب غزة
تقارير / الإثنين 20 يناير 2025 09:57:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:الرباط

شكلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مادة خصبة لوسائل الإعلام العربية والعالمية، على اختلاف توجهاتها. وفي السياق تباينت مستويات المهنية والحياد، في تغطية الإعلام الغربي الواسعة للأحداث، بدءًا من عملية طوفان الأقصى التي شنتها كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي استهدفت مواقع عسكرية ومستوطنات محيطة بقطاع غزة، ووصولًا إلى الحرب التي ما زالت مستمرة إلى اليوم.

يهدف هذا التقرير إلى تحليل تغطية أبرز الصحف الأوروبية لحرب إسرائيل على قطاع غزة، وتقييم انحيازها أو حيادها استنادًا إلى اللغة الصحفية المستخدمة في عناوين ومتون المواد الصحفية.

تغطية صحيفة "كوريري ديلا سيرا" الإيطالية للحرب على غزة

تعدّ صحيفة "كوريري ديلا سيرا" واحدة من أبرز وسائل الإعلام الأوروبية، كما أنها من أقدم وأعرق الصحف الإيطالية وتصدر منذ أكثر من 100 عام. تُعرف كوريري ديلا سيرا بتوجهاتها المتراوحة بين الليبرالية ويمين الوسط، مما جعلها مرجعًا لشريحة واسعة من المجتمع الإيطالي.

وباعتبارها إحدى وسائل الإعلام التي تُعنى بتغطية الأخبار على نطاق واسع وامتداد جغرافي كبير، كانت الصحيفة من أبرز الجهات الإعلامية الغربية التي غطت الحرب على قطاع غزة. خصصت الصحيفة الإيطالية نافذة خاصة لتغطية الحرب، تضمنت مجموعة واسعة من الأخبار والتقارير والمقالات والمواد الإعلامية الأخرى، وذلك منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى بعد مرور أكثر من 15 شهرًا على الحرب على غزة.

استخدمت كوريري ديلا سيرا عبارات مثل "المتطرفون الفلسطينيون"، و"قتل مئات المدنيين الإسرائيليين، بما في ذلك الأطفال"، كما نشرت صورة صاروخ ينطلق من بين المنازل ووضعت عليها الرقم 7 وتحته عبارة XXL، وكانت من أبرز المشاهد الأولى على الموقع الإلكتروني للصحيفة في السابع من أكتوبر.

ولاحظ مسبار أن الصحيفة غطت مقتل مئات المدنيين الإسرائيليين، بما فيهم أطفال، دون الإشارة إلى مقتل عسكريين.

خلال رصد مسبار لمحتوى موقع كوريري ديلا سيرا، عثر على مقال للمؤرخ الإيطالي والمدير السابق للصحيفة، باولو ميلي، عنوانه: "أصل الحرب بين حماس وإسرائيل".

يفتتح ميلي مقاله بالقول إن "التنبؤ بأن الدولة الفلسطينية ستكون سلمية هو مجرد هلوسة" في ظل هذه الظروف. ويمضي الكاتب بتشبيه السابع من أكتوبر بـ"يوم الرعب"، مستعرضًا صورًا لأكثر من مئتي شاب قُتلوا أو اختُطفوا أثناء حضورهم "حفلة راقصة سلمية". كما يشير الكاتب إلى صور الأربعين رضيعًا الذين ادّعت وسائل إعلام وشخصيات سياسية زورًا أنهم ذُبحوا في مستوطنة كفار عزة، على أيدي مقاتلين من فصائل المقاومة الفلسطينية، ويؤكّد أنها ستظل محفورة في ذاكرة الشعب الإسرائيلي وذاكرة العالم بأسره.

لا يتوقف الكاتب عند ذلك الحد، إذ يشبّه ما حدث في السابع من أكتوبر بمأساة الحادي عشر سبتمبر/أيلول 2001، عندما قفز بعض الأشخاص من نوافذ برجي مركز التجارة العالمي هربًا من النيران والاختناق، بعد اصطدام الطائرتين بالمبنيين.

وتبرز العديد من المفارقات في طرح الكاتب، فيُشير، على سبيل المثال، إلى الوجود الأردني في الضفة الغربية خلال الفترة ما بين عامي 1948 و1967 على أنه "احتلال"، بينما يصف الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين بـ"الولادة". كما يصور الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين على أنها محض "أخطاء".

مجزرة المستشفى المعمداني

تناولت الصحيفة مجزرة مستشفى المعمداني ووصفتها بأنها "مجزرة رهيبة"، كما جاء عنوان التقرير بصيغة سؤال "من سيتحمل المسؤولية؟". تبنت الصحيفة هذا الأسلوب بالتركيز على الوصف العام مع تجنب التفاصيل الدقيقة حول المسؤولية، مما قد يفتح المجال لتفسيرات متعددة ويترك القارئ دون صورة واضحة أو دقيقة للحدث.

ورغم ذلك، جاء متن التقرير متوازنًا، إذ نقل مناشدات الدكتور بشار مراد، المدير التنفيذي لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في القطاع، مشيرًا إلى هول المجزرة التي تسبب فيها استهداف المستشفى وما نتج عنه من ضحايا بين الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال.

تحرير الأسرى في المواصي ومجزرة رفح: تغطية متباينة للصحيفة

خصصت صحيفة كوريري ديلا سيرا أخبارًا ومقالات لتغطية تحرير أربعة أسرى كانوا في قبضة حماس. وتجاهل خبر الإعلان عن تحرير الأسرى الأربعة بشكل كامل مقتل وإصابة مدنيين فلسطينيين أثناء العملية. وفي مقابل ذلك، ذكرت الصحيفة أسماء الأسرى المحرّرين وخصصت تقريرًا مفصلًا للحديث عن الأسيرة الإسرائيلية نوا أرغماني، مما يعكس اهتمامًا أكبر بأنسنة قصص الأسرى الإسرائيليين في مقابل تجاهل معاناة ومآسي المدنيين الفلسطينيين، وخاصة منهم ضحايا المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل لتحرير الأسرى.

وعلى النقيض من ذلك، جاءت تغطية مجزرة رفح مختلفة. أشارت الصحيفة هذه المرة، صراحةً، إلى مسؤولية الجيش الإسرائيلي عن المجزرة، التي أودت بحياة العشرات من النازحين في الخيام. كما أفردت مساحة لعرض شهادات ناجين عن هول ما عايشوه. ومع ذلك، فإن تغطية الصحيفة للمجزرة تبرز كاستثناء في مقابل تغطيتها للعديد من المجازر الأخرى، فقد تجنبت في غالب الأحيان الإشارة إلى مسؤولية إسرائيل بشكل مباشر أو تسليط الضوء على الجانب الإنساني للضحايا الفلسطينيين.

دخول الشتاء وواقع النزوح

ترصد الصحيفة أجواء فصل الشتاء في قطاع غزة ومعاناة الفلسطينيين نتيجة ظروف الحرب والنزوح إلى شواطئ البحر المتوسط. وفي أحد تقاريرها المصورة، تناولت "كوريري ديلا سيرا" غرق أكثر من 10 آلاف خيمة بفعل الفيضانات، لكنها لم تشر إلى أن إسرائيل تمنع إدخال الخيام والمواد البلاستيكية اللازمة لصنعها إلى القطاع. واكتفت الصحيفة بالإشارة إلى أن أوامر الإخلاء الإسرائيلية شملت أكثر من 90 في المئة من مساحة قطاع غزة، دون التطرق إلى منع الفلسطينيين من الإقامة، إلا في مناطق مواصي خانيونس ورفح وعلى شاطئ البحر.

وفي تقرير آخر، تحدثت الصحيفة عن وفاة طفلة فلسطينية من شدة البرد وربطت قصتها بميلاد السيد المسيح، دون أن تشير إلى أسباب وفاتها، وحقيقة أنها كانت تقطن في مخيمات النزوح القريبة من البحر، كما لم تتطرق إلى مسؤولية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عن هذه الحادثة المأساوية وحوادث أخرى مشابهة.

غياب التوازن في تغطية الصحيفة الإيطالية للحرب

تظهر مراجعة تغطية الصحيفة الإيطالية لبعض الأحداث التي تخللت شهور الحرب الـ 15 اختلالاً في توازن تغطية روايات الأطراف المتعددة ذات الصلة بالأحداث. وعلى الرغم من تجنب الصحيفة للعناوين المنحازة بشكل صريح، إلا أنها ركزت على إبراز الرواية الإسرائيلية في معظم التقارير والمقالات، في مقابل تغييب الرواية الفلسطينية أو تخصيص مساحة أقل لها، مما يعد انحيازًا ضمنيًا لإسرائيل.

علاوة على ذلك، تجاهلت الصحيفة في كثير من الأحيان الإشارة إلى مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي عن جرائم وانتهاكات غطتها خلال الحرب.

تغطية صحيفة "بيلد" الألمانية للحرب على غزة

تُعد صحيفة "بيلد" الألمانية واحدة من أكثر الصحف انتشارًا في ألمانيا. في تغطيتها لأحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ركزت الصحيفة على تقديم الرواية الإسرائيلية للأحداث.

وفي أحد تقاريرها، وصفت صحيفة بيلد المقاومين الفلسطينيين بالإرهابيين، مدعية أنهم اقتحموا إسرائيل بهدف القتل والخطف والنهب. كما شبهت الصحيفة السابع من أكتوبر بهجمات الحادي عشر من سبتمبر، مشيرة إلى تأثيرها الكبير على العالم. بالإضافة إلى ذلك، وصفت الصحيفة الأسرى الفلسطينيين بالإرهابيين، في سياق يدعم الرواية الإسرائيلية للأحداث.

اتهم التقرير نفسه المقاومة الفلسطينية باستخدام البروباغندا، مشيرًا إلى إحدى اللقطات التي تظهر إسرائيلية يتم اقتيادها إلى غزة وهي ترفع علامة النصر. وادعت الصحيفة أن "إرهابيي حماس" أجبروا الإسرائيلية على القيام بذلك.

صحيفة بيلد تتهم المقاومة الفلسطينية باعتماد البروباغندا

وفي تقرير آخر نُشر في أعلى الصفحة، وصفت بيلد عناصر حركة حماس بـ"البربر"، في إشارة إلى وصفهم بالهمجية أو الوحشية، كما حمل التقرير نوعًا من التكرار، خصوصًا لعبارة "الله أكبر". وفي تقرير آخر، أشارت الصحيفة إلى محمد ضيف، القائد العسكري في حماس، واصفةً إياه بـ"رئيس القتلة".

تغطية بيلد لمجزرة المستشفى المعمداني

في تقريرها حول مجزرة مستشفى المعمداني (المستشفى الأهلي)، أشارت الصحيفة إلى أن الهجوم كان على الأرجح بفعل صواريخ حماس، التي وصفتها بـ"الإرهابية". وحاولت بيلد في تقريرها مقارنة الأضرار التي لحقت بساحة المستشفى مع الأضرار الناتجة عن صواريخ المقاومة التي تُطلق على المواقع الإسرائيلية، خصوصًا الحرائق التي تحدثها. وخلصت الصحيفة إلى أن الأضرار في المستشفى تشبه تلك التي تسببها صواريخ المقاومة.

مع ذلك، لم تتطرق الصحيفة إلى أعداد ضحايا صواريخ المقاومة تاريخيًا. ووصفت الحادثة بأنها "إرهاب فلسطيني" موجه ضد المدنيين الفلسطينيين أنفسهم. كما شككت في أعداد ضحايا المجزرة، الذين قدرت مصادر فلسطينية عددهم بحوالي 500.

التظاهر والتضامن دعمًا لغزة: كيف تراه بيلد؟

بعد عشرة أيام على اندلاع أحداث السابع من أكتوبر، نشرت صحيفة بيلد تقريرًا وصفت فيه التضامن مع غزة بأنه “دعم للإرهاب وقتل الإسرائيليين”. وأشار كاتب التقرير إلى حادثة توزيع الحلويات من قِبل أحد المارة المتوشحين بالعلم الفلسطيني، معتبرًا أن هذا التصرف احتفاءٌ بقتل الإسرائيليين.

ومع تزايد الرد الإسرائيلي الذي تصدّر العناوين العالمية والعدد الكبير من الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين، استمرت "بيلد" في وصف المظاهرات المؤيدة لفلسطين بأنها معادية للسامية، دون الإشارة إلى أن هذه المظاهرات، التي عمت المدن الألمانية، كانت تعبيرًا عن التضامن مع الشعب الفلسطيني.

في الوقت نفسه، شنت الصحيفة هجومًا عنيفًا على اللاعب المغربي نصير مزراوي، المحترف السابق لنادي بايرن ميونخ الألماني والحالي في الدوري الإنجليزي. ووصفت الصحيفة مزراوي بـ"نصير الإرهاب"، قائلةً "أنصار الإرهاب فوق الملعب؟ إنه أمر لا يُطاق". جاء هذا الهجوم على خلفية مشاركة مزراوي صورة للقدس وآية قرآنية على صفحته في موقع إنستغرام.

بيلد ومفاهيم مرتبطة بالقضية الفلسطينية

في أحد مقالاتها، خصصت الصحيفة مساحة لشرح بعض المصطلحات المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي. تناولت الصحيفة بداية مصطلح "الفصل العنصري"، مشيرة إلى أن إسرائيل، وفق وصفها، ليست دولة فصل عنصري، حيث إنها تضم أطباء ومسؤولين عربًا في مناصب عليا.

لم تكتفِ الصحيفة بذلك، بل تناولت مصطلحات أخرى مثل "كلا الجانبين"، حيث رأت أن من يستخدم هذا المصطلح يساوي بين "إسرائيل الديمقراطية والإرهاب الفلسطيني”. كما أشارت إلى مصطلح "التصعيد"، معتبرة أنه يُستخدم عادة بعد ما وصفته بـ"الإرهاب الفلسطيني"، مما يقلل من حق إسرائيل في الرد على هذا الإرهاب، بحسب تعبير الصحيفة.

أما مصطلحي "السجن المفتوح" و"سجن الهواء الطلق"، فقد رفضتهما الصحيفة تمامًا، مشيرة إلى أن غزة تحتوي على شواطئ وفنادق ورفاهية. وأضافت أن المليارات من المساعدات الإنسانية لم تُستخدم بشكل صحيح، بل استحوذت عليها حركة حماس لصالحها، وفق زعم الصحيفة، مؤكدة أن إسرائيل ليست مسؤولة عن هذا الوضع.

وتُظهر مراجعة مسبار لتغطية صحيفة بيلد انحيازًا واضحًا لإسرائيل. فقد رسمت الصحيفة، من خلال عناوينها ومصطلحاتها وتقاريرها بشكل عام، خطًا تحريريًا يتماشى تمامًا مع الروايات الإسرائيلية. وكان التحيز جليًا في محاولاتها دفع مسؤولية المجازر المرتكبة بحق الفلسطينيين بعيدًا عن إسرائيل، وتحميل الفصائل الفلسطينية المسؤولية بدلاً من ذلك.

كيف رصدت إل باييس مجزرة مستشفى المعمداني؟

شكلت مجزرة مستشفى المعمداني علامة فارقة في تغطية وسائل الإعلام الغربية، ولم تكن صحيفة إل باييس غائبة عن المشهد. أشار عنوان تقريرها عن المجزرة إلى مقتل المئات وإلى الاتهامات المتبادلة بين إسرائيل والفلسطينيين بشأن المسؤولية عن المجزرة.

غطت الصحيفة المجزرة التي حلت بالمستشفى والضحايا الفلسطينيين، مشيرة إلى معاناة النازحين، وانقطاع الكهرباء، والخطر الذي يهدد المستشفيات، بالإضافة إلى قلة الغذاء والماء. وعلى الرغم من نقل التصريحات والاتهامات الإسرائيلية، فقد أوردت أيضًا تصريحات فلسطينية ودولية، مما يجعل تغطيتها لمجزرة المعمداني غير منحازة بشكل مباشر، وتتسم بدرجة من الموضوعية.

إل باييس تروج بأن حقيبة زوجة السنوار من هيرميس بيركين

تناولت وسائل الإعلام، بما في ذلك صحيفة إل باييس، ادعاءً مفاده أن زوجة يحيى السنوار تحمل حقيبة تُقدر قيمتها بـ32,000 دولار أميركي، مستندة بذلك إلى منشور على صفحة الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، أفخاي أدرعي. وقد اعتمدت الصحيفة على هذا الادعاء دون التحقق من صحته، مما استُخدم كأداة لتأجيج الرأي العام بادعاء أن عائلات وزوجات قادة الفصائل الفلسطينية يعيشون حياة من الرفاهية.

في المقابل، أكد تحقّق مسبار حينها أن الادعاء مضلل، إذ تبين أن الحقيبة الظاهرة في الصورة لا تتطابق مع حقائب "هيرميس بيركين" الشهيرة كما زُعم في المنشور.

تُعد الانتقائية في استخدام المصطلحات أحد أبرز أشكال الانحياز التي رصدها مسبار في خطاب الصحيفة الإسبانية. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الصحيفة تحيزًا في بناء بعض تقاريرها كما ظهر في تغطيتها لقضية "حقيبة زوجة السنوار". ومع ذلك، لم تكن منحازة بشكل مباشر لإسرائيل، إذ اتسمت تغطيتها لعدد من المجازر الإسرائيلية بدرجة من الموضوعية.

وعلى صعيد المقارنة، قدّمت الصحيفة الإسبانية تغطية أكثر توازنًا مقارنة بصحف أخرى اتخذت موقفًا أكثر وضوحًا لدعم إسرائيل أو تجاهلت معاناة الفلسطينيين بالكامل.

تغطية صحيفة "لوموند" الفرنسية للحرب على غزة

تُعد صحيفة "لوموند" الفرنسية، ذات التوجه اليساري الوسطي، واحدة من أشهر الصحف العالمية. وقد اكتسبت مكانتها باعتبارها مرجعًا تعتمد عليه العديد من وسائل الإعلام الأخرى في متابعة الأخبار وتحليلها. هذا الانتشار جعلها مادة غنية للتحليل والتمحيص، خصوصًا فيما يتعلق بالموضوعية في تغطيتها.

خلال الحرب على غزة، خصصت لوموند مساحة كبيرة من عناوينها ومحتواها لتغطية الأحداث المتعلقة بالحرب.

وفي مراجعة مسبار لتغطية الصحيفة، وجد أنها لم تلتزم دائمًا بخط تحريري موحد. ففي بعض التقارير، استخدمت عبارات مثل "الحركة الإرهابية"، و"الهجوم الإرهابي"، و"مجزرة السابع من أكتوبر" لوصف حركة حماس وأحداث السابع من أكتوبر. بينما في تقارير أخرى، اعتمدت تعبيرات مثل "الهجوم" و"المقاومة" دون إضافة توصيفات أو وسوم.

مجزرة المستشفى المعمداني والموضوعية مجددًا

رغم أن صحيفة لوموند خصصت مساحة لإسرائيل والفلسطينيين للتعليق على المجزرة، كما ورد في العنوان الذي أشار إلى تبادل الاتهامات بين الطرفين بشأن المسؤولية عن القصف، إلا أن التبرير الإسرائيلي طُرح أولًا قبل أن يُتاح للفلسطينيين الرد والنفي.

ومع ذلك، تناولت الصحيفة في تقريرها أن المستشفى تعرض لتهديد من الجيش الإسرائيلي بالإخلاء، إلى جانب مجموعة من مستشفيات القطاع.

تحقيقات مثيرة للجدل وميل لتبني الرواية الإسرائيلية

تناولت صحيفة لوموند مجزرة المستشفى المعمداني بشكل مستفيض، حيث أجرت تحقيقين حول الحادثة. ركز التحقيقان على مشاهد مرئية، وفيديوهات، وصور تُظهر انفجارات وأجسامًا مضيئة في السماء وانفجارات على الأرض. كما قامت الصحيفة بتحليل مقاطع فيديو من كاميرات مراقبة وقت وقوع المجزرة، وتواصلت مع محللين وخبراء للحصول على تحليلات معمقة.

رغم أن نتائج التحقيقات تشير ضمنيًا إلى أن إسرائيل ليست مسؤولة عن القصف، بادعاء أن حجم الحفرة الناتجة عن الانفجار في ساحة المستشفى لا يتناسب مع حجم الصواريخ الإسرائيلية المعتادة، إلا أن لوموند لم تُحمل أي طرف المسؤولية بشكل مباشر. ومع ذلك، أثارت الصحيفة الجدل بتهميشها معلومات مهمة، وتقليلها من شأن أخرى، حيث زعمت أنها لا تستطيع التحقق من صحة أعداد الضحايا التي أعلنتها وزارة الصحة الفلسطينية.

بناءً على هذا الادعاء، تجاهلت الصحيفة الإشارة إلى أعداد الضحايا الناتجة عن صواريخ المقاومة الفلسطينية، على الرغم من أن المصادر الإسرائيلية تؤكد عادةً أن أعداد الضحايا في مثل هذه الأحداث لا تتجاوز بضعة أفراد.

وأشارت الصحيفة إلى أن تحليلها يظهر توافقًا بين مسار وسرعة وابل من الصواريخ الفلسطينية والانفجار الذي وقع في المستشفى. كما ذكرت وجود اشتباكات وطائرتين يُرجح أنهما إسرائيليتان دون تحديد السبب الدقيق للانفجار.

وأضافت أن عشرات الصواريخ أُطلقت من غزة قبل الساعة السابعة، وصاروخًا أُطلق من إسرائيل، مع رصد طائرتين مقاتلتين، وقُصف المستشفى بعد لحظات. وعن الصاروخ الإسرائيلي، خلصت إلى أنه من غير المرجح أن يكون السبب في المجزرة، مشيرة إلى أن حجم الحفرة الناتجة عن الانفجار لا يتناسب مع نوعية الصواريخ الإسرائيلية، وهو ما يعكس ميلًا واضحًا لتبني الرواية الإسرائيلية التي تنفي مسؤوليتها عن المجزرة.

وفي سياق مجزرة المستشفى المعمداني، أصدرت الصحيفة بيانًا تعتذر فيه لقرائها ومتابعيها عن إشارتها إلى مسؤولية الجيش الإسرائيلي عن المجزرة. وأوضحت الصحيفة في البيان أنها استندت في نقل الخبر إلى وكالة الصحافة الفرنسية، لكنها أجرت لاحقًا متابعات إخبارية شملت تقارير وتحقيقات حول الحادث، ما دفعها للتأكيد على أنها لا تستطيع تحديد الجهة المسؤولة عن المجزرة.

كما أشار البيان إلى أن أرقام الضحايا لا يمكن الاعتماد عليها بشكل قاطع، حيث إنها صادرة عن وزارة الصحة التابعة لحركة حماس. وأكدت الصحيفة أن هذا التصحيح جاء بسبب عدم إمكانية التحقق من الأرقام الواردة من غزة.

تغطية لوموند لحادثة تحرير الأسرى ومجزرة النصيرات

غطّت الصحيفة عملية تحرير الأسرى الأربعة في مخيم النصيرات والمجزرة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في الموقع ذاته. رصدت الصحيفة الوقائع التي جرت، ورغم أن التقرير خصص مساحة واسعة للحديث عن تحرير الأسرى بتفصيل دقيق، وأعاد التطرق إلى عملية السابع من أكتوبر بشكل مستفيض، إلا أنه اكتفى بالإشارة المقتضبة إلى ضحايا المجزرة، دون تقديم تفاصيل كافية حول الفلسطينيين المتضررين.

وعلى الرغم من تغطية الصحيفة لحادثة تحرير الرهائن في أكثر من تقرير، إلا أنها لم تسلط الضوء بشكل كافٍ على المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي أو على الضحايا الفلسطينيين.

تقرير لوموند عن عملية تحرير أسرى إسرائيليين

تقرير لوموند عن عملية تحرير أسرى إسرائيليين

وبعد تحليل عدد من تقارير وتحقيقات لوموند، يخلص مسبار إلى أن تغطيتها كانت متباينة بشكل عام، حيث اتسمت بالتوازن النسبي في عرض وجهات النظر المختلفة، دون استخدام أوصاف مثيرة أو محاولات لتأجيج الرأي العام.

ومع ذلك، أظهرت التغطية انتقائية في استخدام المصطلحات، واعتمادها على تعابير بعيدة عن الموضوعية في بعض الأحيان. كما تجنبت الصحيفة اتهام جيش الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب مجازر كبيرة، وأظهرت عدم توازن في التغطية، حيث أهملت التركيز على الضحايا الفلسطينيين جراء الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.

تحليل تغطية أبرز الصحف الأوروبية للحرب على غزة

أظهر تحليل تغطية الصحف الأوروبية للحرب على غزة تفاوتًا واضحًا في مستويات المهنية والحيادية. وبينما حاولت بعض الصحف، مثل كوريري ديلا سيرا ولوموند وإل باييس، تقديم تغطية تُظهر وجهات النظر المختلفة، ظهرت فيها جوانب من الانحياز والتضليل في أوقات متفرقة.

في المقابل، اتسمت تغطية صحف أخرى، مثل بيلد، بانحياز واضح للرواية الإسرائيلية، حيث غابت الموضوعية والمهنية بشكل كبير، مع اعتماد مصطلحات وخطاب يخدم طرفًا واحدًا دون تقديم سياق متوازن للأحداث.

المصدر:مسبار بتصرف

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك