الرأسمال المغربي بين الربح السريع والجشع المفرط..حين تتحول السوق إلى "فيرما"

الرأسمال المغربي بين الربح السريع والجشع المفرط..حين تتحول السوق إلى "فيرما"
تقارير / الثلاثاء 14 يناير 2025 13:52:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أبو جاسر

في سياق متأزم تشهده الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، وفي ظل أزمات متتالية تضرب في الصميم القدرة الشرائية للمواطنين، تبرز مسؤولية الرأسمال المحلي الذي راكم ثروات ضخمة دون حسيب ولا رقيب.

 أزمة الرأسمال المغربي تحت مجهر البنك الدولي

سبق للبنك الدولي أن تنبه لوضعية الرأسمال المغربي، وأصدر  تقريراً صادماً عن الاقتصاد المغربي، حيث أشار إلى أن الرأسمال المحلي لا يميل إلى الإنتاج، بل يبحث عن الربح السريع في كل شيء.

هذه الملاحظة ليست مجرد تحليل اقتصادي عابر، بل تسلط الضوء على جذور أزمة بنيوية تضرب الاقتصاد المغربي وتفسر الجشع المفرط الذي بات يتحكم في الأسعار ومستوى المعيشة.

الربح السريع: ثقافة "الهمزة" بدل الاستثمار المنتج

في المغرب، أصبح من المألوف أن نرى الطبقة الرأسمالية تركز على اقتناص الفرص السريعة، أو ما يسمى محلياً بـ"الهمزة"، دون تقديم أي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.

هذه الظاهرة تتجلى في الاعتماد على الامتيازات والرخص الاحتكارية التي تضمن مداخيل ضخمة دون الحاجة إلى الإبداع أو المخاطرة.

مثال الأسعار: الدجاج الذي يصل سعره إلى 30 درهماً، واللحم الذي يلامس 120 درهماً، ليست سوى انعكاس لجشع الرأسمال الذي يتحكم في السوق دون أي اعتبارات اجتماعية.

غياب الإنتاج: مقارنة بين أغنياء العالم وأغنياء المغرب

لو قارنا بين أغنياء العالم وأغنياء المغرب، لاكتشفنا الفجوة الشاسعة في طبيعة الثروات ومصادرها:

أغنياء العالم: أسماء مثل جيف بيزوس وإيلون ماسك ارتبطت ثرواتهم بمنتجات مبتكرة مثل التجارة الإلكترونية والسيارات الكهربائية والتكنولوجيا المتطورة.

أغنياء المغرب: معظمهم يراكمون الثروات بفضل الريع، الاحتكارات، والمأذونيات، دون أن يكون لهم دور بارز في الإنتاج أو الإبداع.

انعكاسات هيمنة "الهمزة" على الاقتصاد الوطني

1. ارتفاع معدلات البطالة: عندما يصبح مصدر القيمة المضافة مبنياً على استغلال الفرص عوض الإنتاج، تنخفض القدرة على خلق فرص شغل مستدامة. وهذا ما يفسر تسجيل معدلات بطالة قياسية في المغرب.

2. تراجع مفهوم السوق: في غياب المنافسة الحقيقية، يتحول السوق إلى "فيرما" أو ضيعة يتحكم فيها أصحاب الامتيازات دون رقابة فعلية.

3. زيادة الفجوة الطبقية: يستفيد عدد قليل من النخبة الاقتصادية على حساب الطبقة الوسطى والفقيرة، مما يؤدي إلى اتساع الهوة الاجتماعية.

الجشع وارتفاع الأسعار: من يتحمل المسؤولية؟

في ظل سيطرة منطق "الهمزة"، بات المستهلك المغربي يتحمل أعباء ارتفاع الأسعار في كل شيء. الغذاء، السكن، النقل، وحتى التعليم والصحة، أصبحت قطاعات تستنزف جيوب المواطنين، بينما تتضخم ثروات البعض بشكل غير مسبوق.

كيف يمكن تجاوز أزمة الرأسمال المغربي؟

1. تعزيز الاستثمار المنتج: يجب على الدولة تشجيع الرأسمال المحلي على الاستثمار في قطاعات إنتاجية قادرة على خلق فرص عمل وتنمية مستدامة.

2. مكافحة الاحتكار: فرض قوانين صارمة لمكافحة الريع والممارسات الاحتكارية التي تخنق السوق وتمنع المنافسة.

3. تحفيز الابتكار: تقديم حوافز مالية وضريبية للشركات التي تعتمد على الابتكار والإبداع بدلاً من الاعتماد على الامتيازات.

4. إصلاح السياسات الاقتصادية: إعادة النظر في السياسات الاقتصادية لضمان توزيع عادل للثروات وتحقيق التنمية الشاملة.

بين التحدي والأمل

إذا كان البنك الدولي قد دق ناقوس الخطر في 2017، فإن الوضع الحالي يستدعي تحركاً عاجلاً للحد من هيمنة ثقافة "الهمزة" وإعادة الاعتبار للإنتاج كمحرك رئيسي للاقتصاد. المغرب يمتلك طاقات شابة وكفاءات قادرة على الإبداع والابتكار، لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب إرادة سياسية قوية وإصلاحات جذرية تعيد التوازن للسوق وتضع حداً لجشع الرأسمال.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك