أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
شهدت الوضعية المالية بالمغرب خلال سنة 2024 تحديات متزايدة بفعل عوامل داخلية وخارجية، أثرت على استقرار الاقتصاد الوطني وحركية مختلف القطاعات الإنتاجية. وفي ظل استمرار الأزمات العالمية وضعف النمو الاقتصادي، تميزت السنة بإصلاحات حذرة، هدفت إلى تخفيف الضغط المالي وتحفيز النمو.
تضخم مرتفع وأسعار قياسية
سجلت معدلات التضخم ارتفاعًا ملحوظًا خلال النصف الأول من السنة، مدفوعة بارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة في السوق الدولية. وقد أثرت هذه الزيادات بشكل مباشر على القدرة الشرائية للأسر المغربية، خاصة في الأوساط المتوسطة والفقيرة. وبحسب آخر التقارير الصادرة عن بنك المغرب، بلغ معدل التضخم السنوي 5.6%، وهو ما يعكس استمرار الضغوط التضخمية مقارنة بالسنوات الماضية.
الإصلاحات المالية في مواجهة الأزمة
عملت الحكومة المغربية على تبني إجراءات متعددة بهدف احتواء الأزمة. وشملت هذه التدابير:
- ترشيد الإنفاق العمومي: حيث تم تخفيض نفقات بعض القطاعات غير ذات الأولوية.
- زيادة الاستثمار العمومي: ركزت الدولة على دعم مشاريع البنية التحتية والطاقة المتجددة لتعزيز خلق فرص الشغل ودعم الاقتصاد.
- تحسين التحصيل الضريبي: استهدفت السياسات الضريبية الجديدة الحد من التهرب الضريبي وتوسيع الوعاء الضريبي.
رغم هذه الجهود، فإن عجز الميزانية العامة لا يزال يمثل تحديًا كبيرًا، حيث ارتفع إلى 6.2% من الناتج الداخلي الخام، متجاوزًا التوقعات الحكومية.
الدين العام بين الارتفاع والمراقبة
عرف الدين العمومي المغربي ارتفاعًا متزايدًا خلال 2024، ليصل إلى 75% من الناتج الداخلي الخام. ويرجع هذا الارتفاع إلى اللجوء إلى الاقتراض الخارجي لتمويل المشاريع الكبرى وسد العجز المالي. وقد حذرت مؤسسات مالية دولية من مخاطر هذا الوضع على قدرة المغرب على جذب الاستثمارات.
قطاع الفلاحة في قلب الأزمة
تأثر القطاع الفلاحي بشكل كبير خلال السنة نتيجة قلة التساقطات المطرية واستمرار تداعيات التغيرات المناخية. ومع اعتماد شريحة كبيرة من السكان على الفلاحة كمصدر دخل رئيسي، تفاقمت معاناة الأسر في المناطق القروية، ما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة في تلك المناطق.
آفاق مشجعة رغم التحديات
رغم الصعوبات المالية والاقتصادية، شهدت بعض القطاعات تحسنًا نسبيًا، أبرزها:
- الطاقات المتجددة: حيث عزز المغرب مكانته كدولة رائدة في مجال الطاقات النظيفة بفضل مشاريع جديدة مثل محطة الطاقة الشمسية بورزازات.
- الصناعة والتصدير: سجلت صادرات السيارات والفوسفات نموًا ملحوظًا، مما ساهم في دعم احتياطيات البلاد من العملة الصعبة.
- السياحة: عاد القطاع السياحي ليشكل محركًا اقتصاديًا مهمًا، حيث شهدت المملكة إقبالًا كبيرًا من السياح الأجانب بفضل استقرارها الأمني والثقافي.
مستقبل الاقتصاد المغربي
مع دخول سنة 2025، يواجه المغرب تحديات كبرى تتطلب رؤية إصلاحية شاملة. ويتعين على الدولة تحسين السياسات الاجتماعية، تعزيز الحكامة المالية، والرفع من فعالية استراتيجيات مكافحة الفساد. كما أن تقليص الفوارق الاجتماعية ودعم الطبقة المتوسطة يبقيان من أولويات السياسة الاقتصادية لضمان استدامة النمو.
سنة 2024: بين الأزمات الاقتصادية ومشاريع الإنقاذ المالي، هل يستطيع المغرب تجاوز التحديات؟
تبقى الإجابة على هذا السؤال رهينة بإرادة سياسية قوية وإصلاحات جريئة، في ظل سياق اقتصادي عالمي مليء بالتحولات.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك