مغربنا 1 المغرب:هيأة التحرير في عام 2009، كان وباء الإنفلونزا ينتشر بسرعة في مختلف أنحاء العالم عندما كان أحد الصناديق الاستثمارية التي تدعم شركات الرعاية الصحية منشغلة في تنظيم مؤتمرها السنوي. كان هذا اللقاء فرصة لاجتماع كبار مدراء الصناعة الصيدلية والبيوتكنولوجية في العالم. جمع رجل مجموعة من زملائه وخاطبهم قائلا : “سنعمل معاً لإنجاز شيء ما هنا”. عاد هذا المشهد إلى ذهنه عندما سألت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب السيد جيريمي ليفين، رئيس منظمة الابتكار في مجال الصناعة والتكنولوجيا الحيوية، عن البحث عن مسؤول يستطيع الإشراف على تطوير اللقاح الأميركي ضد COVID-19 فقال بدون تردد: “منصف السلاوي”. كان السلاوي ، 61 عاما ، وهو إطار متقاعد أصله من المغرب وقد اشتغل طويلا في مجال تطوير اللقاحات قد جمع زملاءه للتفكير في المشروع ولذلك أصبح من المنطقي أن ينادى عليه من جديد. تردد اسم السلاوي مراراً ومراراً في الربيع، عندما كان وزير الصحة والخدمات الإنسانية أليكس أزار يبحث عن شخص من القطاع الخاص للمساعدة في قيادة عملية “المنعطف السريع”، وهو جهد غير مسبوق وجريء لتقديم لقاح COVID-19 بحلول نهاية العام. كانت الأوساط العلمية مرتابة من المغامرة : كيف يمكن تطوير لقاح بهذه السرعة علما أنها حسب التجربة على الأقل أربع سنوات، واعتقد كثيرون إنه من المستحيل صنع لقاح آمن وفعال في غضون سبعة أشهر وإلا فهي فقط مخاطرة كبرى . غير أن السلاوي كان مقتنعا بأن الأمر ممكن وأنه قادر على إنجاح المهمة ومن نواحي كثيرة، كان يستعد لهذا التحدي الهائل منذ مدة طويلة وكأنه تحدي العمر. أنجز 14 لقاحًا ناجحا كان منصف مناضلا سياسيا في شبابه، وأمضى ما يقرب من 30 عاما في شركة غلاكسو سميث كلاين العملاقة للمستحضرات الصيدلانية، منها 27 عاما وهو يشتغل على لقاح للملاريا، فأنجز 14 لقاحًا وطرحها إلى السوق ثم سطع نجمه حتى أصبح رئيسا لقسم البحث والتطوير للشركة بأكملها. “لطالما كانت اللقاحات غرامي الأول. إنه المجال الذي أحب العمل فيه أكثر من غيره”، كما قال في مقابلة مع صحيفة “يو إس إيه توداي”. أخذ الرجل تقاعده قبل ثلاث سنوات وانضم إلى مجالس إدارة الشركات وصناديق الاستثمار بعد أن استوعب جيدا جميع جوانب هذه الصناعة وكان يحظى باحترام جيد داخل دوائرها. قبل منصف بهذا التحدي الجديد المسمى سرعة المنعطف، علما أنه مهمة شبه مستحيلة ولكنها تهدف إلى إسداء خدمة كبرى للبشرية فوافق على المشاركة في قيادة العملية كمستشار علمي تحت شرطين: لن يكون هناك تدخل سياسي في عمله ولا بيروقراطية لإبطاء سرعته. وقال وافقت السلطات على الشرطين لتكون العملية خاضعة للمنطق العلمي وليس السياسي. يوم الجمعة قبل عيد الشكر، زار السلاوي مستشفى جامعة تمبل ليرى كيف تمر التجارب السريرية هناك، وكيف تمكن الباحثون من توظيف أكثر من 200 متطوع بسرعة وما يمكن أن يفعله لمساعدتهم على إشراك عدد أكبر من المتطوعين .
وافق على المشاركة في قيادة العملية كمستشار علمي تحت شرطين: لن يكون هناك تدخل سياسي في عمله ولا بيروقراطية لإبطاء سرعته. وقال وافقت السلطات على الشرطين لتكون العملية خاضعة للمنطق العلمي وليس السياسي.في ذلك الصباح، بعد ستة أشهر وأربعة أيام من قبوله للوظيفة، حدث أن كانت شركة “فايزر” وشريكتها الألمانية “بيو نتيك”، “BioNTech”، قد أعلنت اكتمال عملية تطوير اللقاح وتقدمت بطلب للحصول على إذن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لإطلاقها على مستوى الجمهور. وقد توقع السلاوي أن تكون اللقاحات ضد COVID-19 فعالة للغاية بدرجة ما بين 80٪ إلى 90٪، وذلك في أوائل الصيف وقال إن الفيروس الذي يسبب COVID-19 ضعيف للغاية في الواقع وهذا هو السبب في أن 8 من 10 أشخاص يمكنهم التخلص منه بأعراض محدودة أو منعدمة على الإطلاق. وأضاف “اذا كان من الممكن أن يقتنع الناس باستعمال اللقاح، فإننا قلقون جدا بالنسبة للذين لن يستعملوه”. جاء السلاوي إلى مستشفى “تمبل” لتشجيع المزيد من المتطوعين على المشاركة في تجربة مرشح لقاح شركة “جونسون” ضد كوفيد-19. وكان يعلم أنها تجربة تشمل مجموعة متنوعة من المشاركين ومن شأنها أن تؤدي إلى قبول أكبر للقاح بمجرد أن يصبح متاحاً. كان الحصول على مجموعة متنوعة من المشاركين في التجارب السريرية جزءًا من عمله في المساعدة على قيادة جهود اللقاح الأمريكية. إن مثل هذه الزيارات الميدانية تميز النهج العملي الذي اتخذه في قيادة جهود تطوير اللقاح حيث قام شخصياً بجولة في خمسة مواقع تجارب سريرية أخرى على الأقل وعدة مرافق لتصنيع اللقاح. يجتمع السلاوي وفريق عمله كل يوم من أيام الأسبوع في الساعة الثامنة صباحاً ويقضون خمس دقائق أو نحو ذلك يتحدثون عن كل لقاح من اللقاحات المرشحة، و في الساعة العاشرة يفعلون الشيء نفسه بالنسبة للأدوية التي يجري تطويرها لعلاج مرض كوفيد. إنهم يطلقون على هذه الوتيرة “إيقاع معركة الاجتماعات” ، وهي الفكرة التي نصح بها المشرف الثاني على المشروع مع السلاوي، وهو الجنرال غاس بيرنا، الذي يدير قسم اللوجستيات وسلسلة الإمداد في الجيش والذي يبلغ عدد أفراده 190.000 فرد.

لم يكن السلاوي حريصا على منصب القيادة المشتركة في هذا البحث خاصة وأنه لا يميل لهذه الإدارة، ويمقت السياسة وقال عن الموضوع : “إننى أشعر بخيبة أمل إزاء مدى سوء النية وعدم احترام المبادئ عندهم”يقول السيد ليفين، رئيس مجلس إدارة شركة بيو، إنه حافظ دائماً على علاقة طيبة مع السلاوي. نشأ ليفين في جنوب أفريقيا وكان يشعر بالاشمئزاز من الفصل العنصر بينما كان السلاوي في المغرب معارضا للسياسات التي قذفت وحاصرت غالبية السكان في براثن الفقر ويزيد ليفين “إنه رجل صمد من أجل تحسين حالة الإنسان “. ويقول جان فرانسوا فورميلا، وهو صديق لمنصف السلاوي ومغامر رأسمالي ناجح في مجال الرعاية الصحية وصناعة الأدوية إنه أعجب به عندما بدأ السلاوي يعمل في فرع من فروع شركة GSK ، وأضاف إن العديد من شركات الأدوية الكبرى لديها أقسام المشاريع الخاصة بها ، وتستثمر في البحوث في مرحلة مبكرة ، لكنها ليست مشهورة جدا لأنها لا تحصل على أرباح كبيرة وقد لا تطور أدوية لسنوات عديدة، ولكن السلاوي اختار تسيير ذلك الفرع بنفسه، حتى يتمكن من المساهمة المباشرة في العمل في هذا المجال. وقال فورميلا إن السلاوي هو الخيار الأمثل لقيادة جهود تطوير اللقاح لأنه “قائد ملهم جداً، وله شخصية قيادية وكاريزما قوية، ويمكنه أن يضع جانباً نفوره الشخصي من إدارة ترامب من أجل خدمة البشرية، إنه من الواضح بالنسبة لي ، وأعتقد بالنسبة لمعظم الناس الذين يعرفونه جيدا ، أنه كان فقط مكلفا بمهمة ونجح فيها وكان يدرك أنه من القلائل الذين يستطيعون تحمل هذه المسؤولية وقرر أن يتحملها”. من مناضل سياسي إلى مدير تنفيذي في الصناعة الصيدلانية بدأت رحلة السلاوي خلال دراسته الجامعية في بلجيكا في السبعينيات، عندما وقع في غرام علم المناعة. ولد في عام 1959 في المغرب في أسرة تؤمن بأهمية العلم والتعليم : “كان لوالدي وأمي هدف أول هو العلم وبعده الأمور الأخرى مثل الإنصاف والوفاء للقيم ثم مساعدة الآخرين”. قاوم والده الاحتلال الفرنسي للمغرب وقضى عامين في السجن بسبب نضاله وبعد أن نال المغرب استقلاله عام 1956، أصبح والده رجل أعمال ناجح. وكان لدى السلاوي أربعة أشقاء، توفي أحدهم عن عمر 6 أشهر بسبب السعال الديكي، وكان من الممكن إنقاذه لو وجد اللقاح آنذاك. كان ذلك قبل ولادة منصف ولكن هذا الموت لطفل صغير يعني أنه نشأ في أسرة تدرك قيمة اللقاحات. وانتهى الأمر بالفتيان الثلاثة في الطب أو البحث العلمي وأخته هي أستاذة الأدب الفرنسي. ذهب السلاوي إلى الجامعة في بلجيكا وأصبح ناشطا سياسيا، وقال ضاحكا “ربما كنت سأصير اليوم إرهابيا”. كان هدفه هو الإطاحة بالنظام الملكي. وقال إنه لم يلحق أي ضرر بأي ممتلكات أو يؤذي أحداً، لكنه أشرف على تأطير طلاب مغاربة آخرين يدرسون في بلجيكا، وانخرط في إضراب عن الطعام هناك احتجاجا على تفاوتات الثروة التي رآها في بلاده. عند العودة إلى المغرب لزيارة والدته المريضة، كان يعلم أنه قد يكون مستهدفاً من قبل الشرطة السرية. قال السلاوي: “وبما أن عائلتي كانت معروفة ومرموقة لم ينتهي بي المطاف في السجن ولم أتعرض للاختطاف لكن ما حدث لي هو يقظة ضمير فقلت في نفسي: هذه ليست الطريقة التي يمكنك بها مساعدة بلادك لأنها يمكن أن تنهي حياتك بسرعة كبيرة ولا تصنع شيئا.”، بدلا من ذلك قرر منصف أن يكون له تأثير اجتماعي من خلال الرعاية الصحية وعلم الأدوية بما في ذلك العمل في البحوث عن لقاح الملاريا ثم لقاح “روطافيروس”، وقد قضى عقودا في الاشتغال عليهما وهما مرضان يحصدان مئات الآلاف من الضحايا سنوياً معظمهم من الأطفال: “إن هذا العمل أكثر فاعلية ومردودية من الاختفاء فى دهاليز السجون”.

كان هدفه هو الإطاحة بالنظام الملكي. وقال إنه لم يلحق أي ضرر بأي ممتلكات أو يؤذي أحداً، لكنه أشرف على تأطير طلاب مغاربة آخرين يدرسون في بلجيكا، وانخرط في إضراب عن الطعام هناك احتجاجا على تفاوتات الثروة التي رآها في بلاده.كانت تجربة مودرنا توظف المتطوعين بشكل جيد، ولكن لم يكن العديد منهم من السكان الملونين (ذوي الأصول الافريقة على الخصوص)، الذين تضرروا بشكل خاص من الوباء. أدرك السلاوي أنه إذا لم تكن التجارب متنوعة بما فيه الكفاية، فإن الملونين لن يثقوا في أن النتائج جيدة ومن ثم فهم لن يقبلوا على تلقيح أنفسهم. كان السلاوي قد تعرف على الفريق في مودرنا منذ فترة عمله في مجلس إدارتها. لقد انزعج عندما لم يستمع الباحثون عن أهمية تنوع التجارب و “انتهى بنا الأمر إلى الصراخ في الاجتماعات، بطريقة محترمة ولكن متوترة للغاية”. فأقنع الشركة بإبطاء توظيفها للمشاركين البيض وأقنع رئيس المعاهد الوطنية للصحة، الدكتور فرانسيس كولينز، ورئيس المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، الدكتور أنتوني فوتشي، بالبحث عن المزيد من السود وذوي الأصل الإسباني بسرعة وإضافتهم إلى التجربة . يقول السلاوي: “إن قيادة عملية بهذا الحجم والنطاق تتطلب اتخاذ القرارات والخيارات بسرعة كبيرة، وهنا تكمن أهمية الخبرة وبعد البصيرة وإلا يمكنك اتخاذ قرارات غير صائبة”، ويضيف: “على الرغم من أن عملية تطوير اللقاح كانت سلسة إلى حد ما، إلا أنه يخشى أن يتعامل الناس بحذر مع اللقاح ” كيف تقنع الشعب الأمريكي بتلقيح نفسه؟ شيء واحد لا يستطيع السلاوي السيطرة عليه هو الرأي العام. هذا هو إلى حد كبير السبب الذي دفع السلاوي إلى جولة في مستشفى جامعة “تمبل”، مكان التجارب السريرية يوم 20 نوفمبر، ومستشفى جامعة “إيموري” في الأسبوع السابق للتوقف عند التحديات الناجمة عن توظيف المتطوعين للتجارب وتشجيع الناس على المشاركة في التجربة، وخاطبهم قائلا: “شكرا جزيلا على منحكم جسمكم للتجربة العلمية “، هكذا خاطب السلاوي كارلانا هنري، التي تلقت جرعة من لقاح “جونسون آند جونسون” في جامعة “تمبل”، وكان واقفا ينتظر 15 دقيقة للتأكد من أنها لم يكن لديها رد فعل سلبي. قالت له: “إنه لمن دواعي سروري، وربما واجبي، أنا سعيدة لرؤية التجربة هنا في فيلادلفيا وبالضبط في تمبل” فوافقها على كلامها. خارج المستشفى وبعد جولة في الموقع، نادى السلاوي على المزيد من سكان فيلادلفيا من أجل الانضمام إلى التجربة وقال: “إن مسؤوليتكم المدنية تدعوكم للمشاركة ومساعدة المجتمع ومساعدة بلدكم ومساعدة عالمكم فى تقييم فعالية اللقاحات”، وأضاف “إننا مقتنعون جميعا بأن ذلك سيكون السبيل الوحيد الذي سنتمكن من خلاله من العودة يوما ما إلى حياتنا الطبيعية”. في وقت سابق من نفس يوم نوفمبر الحار الذي طلبت شركة “فايزر”، من إدارة الأغذية والعقاقير بالترخيص للسماح للقاحها، انتبه إلى مدى أن يكون تطوير لقاح COVID-19 قد استغرق وقتا قصيرا وبهذه السرعة الكبيرة. يقول السلاوي “إنه أحد الأشياء العظيمة في الولايات المتحدة الأمريكية، إذا كنت تؤمن بفكرة وتبذل المجهود فأنت تستطيع الإنجاز. إنه لأمر مدهش”. ـ المصدر: “يوإس توداي” ـ ترجمه إلى العربية: أحمد ابن الصديق
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك