تقارير / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات: مغربنا 1 المغرب
مقدمة:
أدى الاصطدام غالبا بين الحركات الجهادية والأنظمة الحاكمة بالدول العربية في التاريخ المعاصر إلى دخول كثير من أبناء هذه الحركات للسجون، وكانت السجون في أغلب الحالات فضاء للنقاش الداخلي، وفرصة لإعادة النظر عند عدد من المعتقلين في المواقف، سواء منها ما ارتبط بالموقف من السلطة، أو كان مراجعة للبناء الفكري والتصور، وكان الأمر في بعض الحالات مبادرة من المعتقلين أنفسهم، وفي حالات أخرى كانت دعوة من الدولة للتوبة والعودة للمجتمع.
وقد أدت هذه المراجعات إلى وقوع انشقاقات داخل هذه الحركات، وحدوث تصدعات كان لها أثر في العلاقة مع السلطة، وفي مواقف هذه الحركة من المجتمع عموما، والانخراط في الحياة العامة والسياسية خصوصا، بل تركت الانشقاقات أثرها حتى على الأدبيات الصادرة عن هذه الحركات، والتي تتحول بعد الانشقاق إلى ردود وردود مضادة.
إلا أننا لا يمكننا الخروج بحكم عام حول هذه التجارب، لاختلاف سياقاتها وظروفها ودوافعها، بل حتى واختلاف مضامينها ومخرجاتها، فضلا عن خصوصية كل دولة معنية بكيفية التعامل مع الظاهرة وطرق التعاطي معها.
وإذا كانت التجارب بمختلف الدول العربية، قد وجدت من يعتني بها رصدا وتحليلا ومتابعة،سواء على مستوى البحث والدراسة أو على مستوى الإعلام والصحافة، فإن التجربة المغربية تعاني شحا في الباب، وقلة في المصادر والمراجع، وندرة في المتابعة، بل شبه غياب في البحوث والدراسات، مما جعل كثيرا من الغموض يلف تفاصيلها وحيثياتها وسياقاتها، بل لا زال من يطرح التساؤل إن كانت هناك مراجعات يمكن الحديث عنها، خاصة مع حالة الفوضى التي عرفها ويعرفها التيار السلفي الجهادي بالمغرب، مما جعل الموضوع محيطا بكثير من الالتباس و الضبابية.
إلا أن المعطى الوحيد الذي يمكن البناء عليه في هذا الباب، في ظل عدم وجود أي أدبيات أو إصدارات يمكن الاعتماد عليها، هو المقارنة بين مواقف ما سمي ب "شيوخ السلفية"، ورصد ما إن كانت ثابتة أو خضعت للتغير ، سواء كان ذلك في اتجاه متطرف أو متزن، وهو الأمر المتيسر في ظل الحضور الإعلامي الدائم لهؤلاء الشيوخ، وفي ظل ما أتاحته وسائل التواصل الاجتماعي من إمكانية تتبع المواقف وتحليلها.
فما هي أبرز مراجعات السجون التي عرفتها دول شمال إفريقيا
[1]؟وما هي أبرز المفارقات بينها؟ وهل يمكن الحديث عن تجربة المراجعات في السياق المغربي؟ وما هل تغيرت مواقف ما عرف ب "شيوخ السلفية" بعد السجن؟ وما هي التوصيات التي يمكن تقديمها في الموضوع؟
أبرز مراجعات السجون بشمال إفريقيا:
مراجعات الجهاديين بمصر:
لما كانت الحركة الجهادية المصرية أقدم التجارب في الباب، كان من الطبيعي أن تعرف مصر أولى تجارب المراجعات في السجون، وقد بدأت النقاشات الداخلية منذ السنوات الأولى للاعتقال بداية الثمانينات، وحاول الشيخ محمد متولي شعراوي التوسط في الموضوع دون أن ينجح في ذلك،
[2] لكن الإعلان عن المراجعة لم يكن إلا في شهر يوليوز عام 1997، حين ألقى أحد المتهمين بالمحكمة بيانا من ثلاثة أسطر، مذيلا بتوقيع القادة التاريخيين للجماعة الإسلامية، تضمن الدعوة لوقف كل العمليات المسلحة والتحريض عليها داخل وخارج مصر حقنا للدماء.
ورغم ذلك الإعلان الذي كان مفاجأة للكثيرين، إلا أن حادثة الأقصر الإرهابية التي ستقع في نونبر من نفس السنة، والتي ستؤدي إلى مقتل حوالي ستين شخصا، أخرت تعاطي الدولة مع المبادرة، ولم يكن ذلك إلا بعد خمس سنوات، حين سمحت الدولة للجماعة عام 2002 بإخراج أربعة كتب، تتضمن المنطلقات الفكرية والنظرية لعملية المراجعة، تحت اسم: سلسلة تصحيح المفاهيم، وحملت العناوين الآتية:
- مبادرة إنهاء العنف....رؤية شرعية ونظرة واقعية
- حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين
- تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء
- النصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين.
وقد كان من ثمرة المبادرة خروج الآلاف من أبناء الجماعة الإسلامية من السجون، وتبنيهم للعمل السلمي، وتصريحهم بالندم عما كانوا عليه من قبل، حتى إنهم قدموا اعتذارا عن قيامهم بالمساهمة في عملية قتل الرئيس المصري أنور السادات، وقدمت الجماعة في ما بعد إنتاجا غزيرا بلغ 25 مؤلفا، كما بلغ عدد المعلنين لمراجعتهم أكثر من 15000 شخص
[3].
وكان من آثار ذلك هبوط نسبة أعمال العنف الجماعي المنظم بشكل واضح، وتحول الجماعة إلى المجال الدعوي، ونهاية تجربة الحركات الجهادية في شكلها القديم بمصر
[4].
أما جماعة الجهاد فلم تدشن مسار المراجعات إلا في نونبر 2007، مع وثيقة "ترشيد العمل الجهادي" لسيد إمام شريف، أحد أبرز قيادات الجهاد، وأحد كبار المنظري للفكر الجهادي المعاصر، خاصة من خلال كتابيه :"العمدة في إعداد العدة"،و "الجامع في طلب العلم الشريف"، وقد ذهب في وثيقته إلى تحريم الخروج على الحاكم، وعدم تكفيره، وعدم جواز قتل الكافر ولو في بلاده، واعتبار الأقباط مواطنين وجب صيانة حقوقهم
[5].
وقد كان للوثيقة ردود فعل مختلفة، خاصة من قيادات القاعدة التي وصفت ما جاء به بالدين الجديد، بل ألف أيمن الظواهري كتابا كاملا في الرد على الوثيقة.
[6]
التجربة الجزائرية في المراجعات:
رغم أن التجربة الجزائرية تعد من أغنى التجارب في الباب، ورغم ما تركته من آثار وأضرار بليغة، وما خلفته من أعداد القتلى والمعتقلين بالسجون، إلا أن مسار المراجعات لم يعرف أي إنتاج فكري يقنع المسلحين بالعدول عن العنف، ويضع تأصيلا شرعيا لمسارات المسالمة، إلا أن المراجعة كانت ميدانية، حين أعلن الجيش الإسلامي للإنقاذ وقف إطلاق النار عام 1997، وكان تفاعل الدولة مع الإعلان بإصدار العفو عن كل من لم يقترف قتلا أو اغتصابا من المسلحين العائدين،وعرض ميثاق السلم والمصالحة الوطنية لاستفتاء عام
[7].
وفي عام 2009 دعا حسن حطاب الذي كان أمير الجماعة السلفية للدعوة والقتال كان حطاب دعا في 2009 المسلحين إلى تسليم أسلحتهم والاستفادة من المصالحة الوطنية الذي يعرض عفوا عن المسلحين الذين يريدون تسليم انفسهم
[8]، بل ناشد في 2010 القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلقاء السلاح والتفاوض من أجل الهدنة والسلام في البلاد
[9]، وذلك ما أدى لانحسار موجة العنف بالجزائر مقارنة بما كان عليه الوضع سابقا.
مراجعات الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة:
أدى سعي النظام الليبي بعد سقوط صدام حسين بالعراق إلى الانفتاح والمصالحة إلى عقد جلسات للحوار مع قادة الجماعة الإسلامية المقاتلة الذين كانوا بالسجون الليبية، وقد استمرت هذه الجلسات لمدة عامين من 2007 إلى 2009، برعاية سيف الإسلام القذافي، ووساطة محمد علي الصلابي عضو حركة الإخوان المسلمين الليبية، ليتوج كل ذلك بكتاب أصدرته القيادات المعتقلة، تحت عنوان: "دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس".
وقد أكدت فيه الجماعة تحول هدفها من مقاتلة النظام إلى الرغبة في المساهمة في البناء والتنمية، رغبة وطموحا ونصحا
[10]، كما تضمن الكتاب تأصيلا لأحكام التكفير والخروج على الحاكم وغيرها من القضايا العقدية التي بني عليها الفكر الجهادي.
وكان من نتائج هذه المراجعة إفراج السلطة عن أفراد الجماعة المعتقلين بعد تقديم اعتذار للدولة.
[1] تتناول الورقة الحديث عن تجارب دول شمال إفريقيا تجنبا للتوسع، وللمشتركات الخاصة التي تجمع بين هذه الدول.
[2] تحدث عن ذلك وليد البرش أحد المنشقين عن الجماعة، كما ذكر ذلك كرم زهدي في حواره الشهير مع محمد أكرم محمد لصالح أسبوعية المصور، ويرجع المتابعون سبب فشل المبادرة إلى فرار عصام القمري أحد قيادات جماعة الجهاد من معقله عام 1988.
[3]تحولات الجماعة الإسلامية وأسبابها، معهد كارنيجي( 10 سبتمبر 2009 ).تاريخ التصفح : 25 مارس 2018.في:
http://carnegieendowment.org/sada/23824
[4] ضياء رشوان – بعد مراجعات الجماعة الإسلامية والجهاد:هل يعود العنف إلى مصر؟-الأهرام30-6-2007
[5] الوثيقة تم نشرها بصحيفة المصري اليوم في خمسة عشر حلقة بدأت من 18 نوفمبر2007 وانتهت في عدد 4ديسمبر2007.
[6] الكتاب في 200 صفحة تحت عنوان: التبرئة.
[7] بوابة الحركات الإسلامية: الجبهة الإسلامية للإنقاذ.( 8 يونيو2015). تاريخ التصفح 1أبريل 2018.في:
http://www.islamist-movements.com/28791
[8]الجزائر: حسن حطاب يدعو المسلحين الى التوبة.موقع جريدة الرياض (11سبتمبر2010 ). تاريخ التصفح: 1 أبريل 2018 في:
http://www.alriyadh.com/5587
[9] حسن حطاب يناشد "القاعدة في المغرب الإسلامي" إلقاء السلاح والتفاوض من أجل الهدنة (9سبتمبر 2009). تاريخ التصفح:2أبريل 2018.في:
http://www.france24.com/ar/20100909-algeria-hassan-hattab-appeal-terrorism-alqaeda-maghreb-natio
nal-reconciliation
[10] دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس،تأليف عدد من قيادات الجماعة المقاتلة الليبية ص 10
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك