الجهاد على تويتر: شبكات التواصل الاجتماعيّ للمقاتلين الغربيين في سوريا والعراق الحلقة الثانية

الجهاد على تويتر: شبكات التواصل الاجتماعيّ للمقاتلين الغربيين في سوريا والعراق الحلقة الثانية
تقارير / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:

مغربنا 1 المغرب  انطلاق وتواصل الإرهاب: الماضي والحاضر ركزت الأدبيات التي تناولت اتصالات الإرهابيين على ما أسماه غابريل ويمان (Gabriel Weimann) بـ"مسرح الإرهاب"(1). يهدف الإرهاب إلى بث الرعب بين شريحة معينة من الجمهور، أو عدة شرائح أحياناً. ويقع الاختيار على الضحايا ليس بسبب كونهم العدو، بل لأهميتهم الرمزية. يستعير أليكس شميد (Alex Schmid) المثل الصيني المأثور: "اقتل شخصا، يرتعد عشرة آلاف"(2). ومن أجل تحقيق أهدافهم، يحتاج الإرهابيون إلى الوصول إلى جمهور واسع. ومع ذلك، وكما هو حال المنظمات السرية، اضطروا في الماضي -على الأقل- إلى الاعتماد على وسائل الإعلام الرئيسية لبث رسالتهم. هذه المعضلة الأساسية تحرك السلوك الإرهابي. ويكمن الحل في تنفيذ حوادث عنف دراماتيكية ضد أهداف رمزية تجبر وسائل الإعلام على بث الرسالة. من خلال مهاجمة البنتاغون في 11 أيلول/سبتمبر، سعى تنظيم القاعدة إلى نقل رسالة إلى المجاهدين بمواطن الضعف في الولايات المتحدة. كم أشارت الحُلل برتقالية اللون التي ارتداها اثنان من الصحفيين الأمريكيين اللذين أعدمهما تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في شهري آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 2014 إلى الحُلل التي ارتداها سجناء معتقل غوانتانامو، مما يجعل عمليات الإعدام هذه تبدو بمثابة أعمالا انتقامية في مقابل المعاملة الأمريكية للمسلمين. التركيز في أدبيات الإرهاب على مسرح الأحداث الإرهابية المروّعة يُخفي وراءه حقيقة أنَّ الإرهابيين يستخدمون الإنترنت أيضا لنفس الأسباب التي يستخدمها له غيرهم؛ أي من أجل التنظيم والتخطيط والدعوة والترفيه وتهذيب المؤمنين. في واقع الأمر، معظم اتصالات الإرهابيين التي تتم عبر الإنترنت تتم لأسباب عادية لدرجة تبدو غير ضارة. فقد وجدت دراسة أُجريت لعدة سنوات على محتوى المنتديات الجهادية على الإنترنت أن معظم النقاشات التي هيمنت على تلك المنتديات كانت تدور حول العقيدة ونشر معلومات عن التفاسير القرآنية "الجيدة" مقابل "الباطلة" وإذاعة النشرات المعتمدة من تنظيم القاعدة. نادرًا ما كانوا يناقشون مسائل تشغيلية أو ينشرون مخططات الهجمات(3). وبالمثل، كشف تحليل لجهاز كمبيوتر مكتبي وفلاشة يخصان المنتمين إلى الخلية المسؤولة عن تفجير قطارات مدريد في العام 2004 عن المحتوى الديني بدلاً من المعلومات التشغيلية؛ فقد كانت نسبة المحتوى المتعلق بالقنابل إلى نسبة المحتوى العقائدي الذي يحث على الجهاد حوالي 1: 3.(4) ولذلك، فإن التواصل يعد أمراً بالغ الأهمية لاستراتيجية الإرهابيين ولعمليات التنظيم أيضا. وقد كان الإنترنت هدية للإرهابيين على كلا المستويين. أدرك تنظيم القاعدة في وقت مبكر إمكانات الإنترنت من أجل تشكيل حركة عالمية. ففى رسالة تعود إلى العام 2002 إلى زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر، كتب أسامة بن لادن: "من الواضح أن حرب الإعلام فى هذا القرن هى إحدى أقوى السُبُل. وفي الواقع، قد تصل نسبتها إلى 90% من إجمالي التحضير للمعارك"(5). وخلال الحراك الجهادي الأول في العراق، كرر أيمن الظواهري الرسالة نفسها وكتب إلى زعيم تنظيم القاعدة في العراق الراحل أبو مصعب الزرقاوي: "نحن في معركة، وأكثر من نصف هذه المعركة تجري في ساحة وسائل الإعلام. ونحن في معركة إعلامية في سباق للاستحواذ على قلوب وعقول أمتنا"(6). كشفت الوثائق التي تم العثور عليها في مجمع أبوت آباد في أيار/مايو 2011 عن إصرار ابن لادن على أهمية وأولوية وسائل الإعلام المتاحة عبر الإنترنت. ففي رسالة إلى أحد رفقائه، كتب: "تحتل وسائل الإعلام النصيب الأكبر من المعركة اليوم"(7). الحاجة إلى الوصول إلى الجمهور المستهدف –الحكومات والشعوب القريبة والبعيدة- تضع الإرهابيين في علاقة تبعية غريبة لوسائل الإعلام. بعد إخراج تنظيم القاعدة من أفغانستان في العام 2001، كان عليها أن تجد وسيلة جديدة للتواصل مع الجماهير. وكانت الوسيلة التي وقع عليها الاختيار هي الأشرطة المسجلة التي يتم إرسالها إلى قناة الجزيرة. بعد شهرين من الهجمات التي وقعت في مترو لندن في العام 2005، بثت قناة الجزيرة تسجيلاً مصوراً لأيمن الظواهري يعلن فيه مسؤوليته عن الحادث، مع فيديو للانتحاري محمد صديق خان. وبعد مرور عام، وفي الذكرى السنوية لهجمات لندن، أذاعت قناة الجزيرة شريط فيديو آخر يبين انتحاريا ثانياً في هجمات 7/7، وهو شهزاد تنوير. وقد أمّنت الطريقة الجديدة التي استقبل بها البريطانيون الرسالة استمرار البث لفترة من الوقت. بعد عام 2006، أصبحت قناة الجزيرة حذرة من العمل كذراع دعاية لتنظيم القاعدة، ولم يعد بالإمكان الاعتماد عليها في بث فيديوهات القاعدة. كما دفعت مخاوف الاختراق الجماعات والأفراد المرتبطين بتنظيم القاعدة إلى دخول منتديات الإنترنت وغرف الدردشة المغلقة. عملت تلك المنتديات بمثابة فصول دراسية عبر الإنترنت، وأبقت على المقاتلين مشغولين بأعمال الترجمة والأعمال الروتينية الإدارية، ولكنها أثبتت تقيدهم بجوانب رئيسية معينة. وقد قلصت الحاجة إلى "فحص ولاء" المشاركين من قِبل المسؤولين قدرة تنظيم القاعدة على نشر رسالته خارج دائرة أولئك المتحمسين بالفعل للبحث عن التواصل مع المتطرفين الجهاديين. كان على هؤلاء المشاركين أن يعرفوا أين يذهبون وكيف يقيموا اتصالات مع شخص يمكنه أن يرشحهم لعضوية تلك المنتديات ويزودهم بكلمة المرورpassword . كانت المنتديات منشغلة بمناقشة النصوص المقدسة وتفاصيل العقيدة الصحيحة، وقد استغرقت هذه النقاشات المؤمنين إلى ما لا نهاية ولكنها انتقصت من قيمة تلك المنتديات كمنصات للقضية الجهادية. كما تمثلت نقطة الضعف الثالثة في تعرض تلك المنتديات لعمليات الإغلاق والهجمات الإلكترونية. حررت وسائل التواصل الاجتماعي تنظيم القاعدة من الاعتماد على وسائل الإعلام الرئيسية. بدءاً من العام 2011، انتقلت العديد من الجماعات الجهادية والمنافذ الإعلامية والأفراد إلى منصات وسائل التواصل الاجتماعي السائدة، وأنشأوا حسابات جديدة على تويتر وفيسبوك. لا زالت معظم وسائل الإعلام التابعة لتلك الجماعات تنشر محتواها في المنتديات الجهادية، ولكنها تنشئ في الوقت نفسه حسابات مدعومة على تويتر حيث تصدر بياناتها أو تنشر مقاطع الفيديو الجديدة. شملت بيئة وسائل التواصل الاجتماعي ملمحاً جديداً، وهو لامركزية السيطرة على المحتوى. حيث يمكن للجميع أن يشارك. وأصبحت اللامركزية موزعة على "محاور" بحيث يستخدم المتطوعون منصات التواصل الاجتماعي المتفاعلة والمترابطة، والمدونات، ومنصات تبادل الملفات. وأصبحت عملية نشر البوستات والريتويت عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قِبل المتطوعين وسيلة نشر منخفضة التكلفة موجَّهة لجمهور عريض. كما إنِّ البيئة الإعلامية الجديدة مقاومة للعمليات الأمنية الحكومية أيضا. فلم تعد ممارسات الرقابة التي عملت في إطار بيئة الإنترنت المسيطَر عليها عمودياً تصلح في بيئة وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة وحالات التدوين المصغر (micro-blogging). ويؤدي الاستخدام واسع الانتشار للتكامل بين مختلف منصات تبادل الملفات إلى زيادة حالات التكرار من خلال إعادة نشر الوثيقة نفسها عدة مرات والقدرة على الصمود ضد عمليات الإتلاف والحجب من جانب الحكومات ومقدمي خدمات الإنترنت. والسؤال المثار هنا ليس فقط كيف غيرت بيئة تقنيات ويب 2.0 Web 2.0 مسرحة حوادث العنف فحسب، بل أيضاً، وعلى نطاق أوسع، كيف يؤثر استخدام وسائل الإعلام على أداء التنظيم الإرهابي. في العام 2001، توقع كتّاب تقرير مؤسسة راند أن الإنترنت سوف يغير بشكل جذري كيفية اشتغال الإرهابيين. وقد صكّ كلُ من أركيلا و رونفيلد(8) مصطلح "الحرب العنكبوتية" (netwar) لوصف ما اعتبروه أسلوباً ناشئاً من الصراع يكون المتصارعون فيه جماعات صغيرة متناثرة تتواصل فيما بينها وتنسّق وتنفذ حملاتها بطريقة "إنترنتية" دون قيادة مركزية محددة. بالعودة إلى ذلك الوقت، قد يكون هذا التنبؤ سابقا لأوانه حينئذ، ولكنه ينطبق بدقة على بيئة وسائل التواصل الاجتماعي. الآن، يربط تويتر بين شتّى الجماعات الإرهابية العاملة في ساحات الحرب المختلفة، كما يربط بين تلك الجماعات ومجموعات الدعم التكتيكية الموجودة خارج مناطق القتال، بما يمحو قيود الجغرافيا. خلاصة القول، لطالما كانت البروباجندا أمراً محورياً بالنسبة إلى الإرهاب. يفضل الإرهابيون إحكام السيطرة على نقل رسائلهم، ولكن بسبب فقْد السيطرة المباشرة على وسائل الإعلام العامة -سواء المطبوعة أو المرئية- اعتمدوا سابقا على إجبار وسائل الإعلام الرئيسة على توصيل رسالتهم عن طريق شن الهجمات. غيرت وسائل التواصل الاجتماعي هذه الديناميكية جذرياً. فقد ألغت اعتماد الإرهابيين على وسائل الإعلام الرئيسة، وقامت بقلب المعادلة عن طريق جعل وسائل الإعلام الرئيسة تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي التي يديرها الجهاديون أنفسهم. ولكن هل جاء هذا الاكتفاء الذاتي في مجال الإعلام على حساب درجة التحكم في الخطاب؟ وما هي التغييرات التي أحدثتها وسائل الإعلام الجديدة على مسرح الإرهاب؟

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك