مغربنا 1 المغرب بحلول أكتوبر من هذه السنة 2018، ستكون قد مرت سنتان، على إعلان تفكيك خلية إرهابية مكونة من عشرة نساء، خلية نسائية خالصة مائة بالمائة، ما أثار موجة من القراءات والتحليلات والتكهنات والفرضيات، حول الإرهاب بنون النسوة، وماهي خطورته؟ وكيف تقع النساء ضحايا لهكذا خطاب؟ وما موقع المرأة في عمليات الاستقطاب والتحريض والتنفيذ؟ لدرجة بدأت بعض الأصوات تتحدث عن ظاهرة اجتماعية. وبخلاف ما أثاره باحثون مغاربة ويابانيون، ضمن كتاب جماعي[1]، عن مشاركة النساء المغربيات في أعمال إرهابية، ووصف ذلك بالظاهرة،فإن باحثين عديدين، يرفضون اعتبار الأمر مقلقا، ويرفضون الحديث عن ظاهرة اجتماعية، والاكتفاء بالحديث عن مشكلة اجتماعية حينا، والحالات المعزولة حينا آخر، بالنظر للأرقام والمعطيات المتوفرة، ليس فقط على المستوى المغربي، بل على المستويين العربي والعالمي. حاولنا الغوص في ملف المغربيات المتورطات في ملفات الإرهاب٬ وتتبع خيوطه من جهات وزوايا متعددة، (الأرقام والإحصائيات٬ والأسماء والحالات المعروفة٬ وأيضا تلك التي تم التكتم عليها لسبب أو لآخر) لكشف بعض الجوانب الخفية في الموضوع٬ والمساهمة في تقديم المعطيات التي تساعد الباحث على القراءة السليمة٬ والخروج بالخلاصات والاستنتاجات الصحيحة، وبناء تصور جامع مانع بخصوص هذا الموضوع الحساس والشائك، أتمنى أن تكون هذه الورقة إحدى لبناته. في المغرب بدأت الاعتقالات في إطار ملفات الإرهاب، قبل ضربات 16 ماي 2003، بسنة تقريبا، أي منذ سنة 2002، حيث تم اعتقال أعضاء ما سمي بخلية يوسف فكري، وهي الخلية المكونة من 17 عضوا لا يوجد بينهم أي امرأة. وفي يوم 16 ماي الماضي، تم تخليد الذكرى 15 لهجومات الدار البيضاء الإرهابية، الضربات التي لم تتبناها أية جهة، ولا يوجد في صفوف المنفذين الانتحاريين، ولا المتهمين المرتبطين بالملف، والبالغ عددهم 98 شخصا، أي امرأة أيضا. وعلى مدى 16 سنة، أي منذ سنة 2002 وإلى سنة 2018. فإن عدد النساء اللواتي أعلنت السلطات اعتقالهن ومتابعتهن، ارتباطا بملف الإرهاب بشكل من الأشكال، هو في حدود 25 امرأة، بمعدل 1،5 امرأة في السنة تقريبا، وهو رقم له دلالاته، التي سنحاول كشفها في الأسطر القادمة. بالرغم من الرقم الذي قدمنا، وهو بالمناسبة ليس الرقم الوحيد للحالات النسائية، يبقى موضوع التطرف بنون النسوة، موضوعا محاطا بنوع من التجاهل واللامبالاة، وحتى بالتكتم والتستر، بالنظر لما كتب حوله من ورقات، لا تساهم في تجليته، ولا ترقى لاعتمادها كأرضيات، إذ هي في مجملها بعض القصاصات الإخبارية غير المتحقق منها، أو بعض الحوارات أو البورتريهات لحالات خاصة، وحتى بعض المجازفات التهويلية كإصدار الأحكام وإطلاق الأوصاف غير الدقيقة، بالحديث عن ظاهرة، وعن خلايا نائمة… بغرض الإثارة لدى بعض المنابر غير المهنية. هذه الضبابية وهذا النقص، وهذه الإثارة حينا، والتجاهل حينا آخر، دفعنا لخوض غمار البحث، والبدء بطرح السؤال التالي: هل يمكننا أن نتحدث عن ظاهرة، في ما يخص ارتباط النساء المغربيات بموضوع الإرهاب؟ فكان جواب الدكتور محمد حقيقي[2]: “أعتقد أن موضوع النساء اللواتي تعرضن للاعتقال أو هاجرن إلى بؤر التوتر. لم يتحول إلى ظاهرة، بقدر ما هو حاﻻت معزولة “،إذا أضفنا تصريح الدكتور حقيقي، إلى ماتوصلت إليه دراسة حديثة، عن الخلايا الإرهابية المفككة من طرف المكتب المركزي للأبحاث القضائية، خلال الثلاث سنوات الأخيرة، من أن الذكور يشكلون 95 بالمائة من المعتقلين، فيما تشكل الإناث 5 بالمائة فقط، بعضهن قاصرات[3]. إضافة لإعلان السلطات إلقاء القبض بتهم مختلفة على خمسة وعشرين امرأة على مدى 16 سنة، بمعدل امرأة ونصف في السنة، مع استحضار أن تلك الحالات منفصلة عن بعضها، ومتباعدة زمانيا ومكانيا وأيضا على مستوى الدوافع والتصورات،كل هذه مؤشرات تدل على أن تورط المرأة المغربية في قضايا التطرف والإرهاب، لايزال ضعيفا جدا. وسنحاول تحليل تلك الحالات، التي أعلنت السلطات اعتقالها على مدى 16 سنة، وتصنيفها حسب المعطيات والأرقام المتوفرة، للاقتراب من الإجابة عن سؤال: هل يمكننا أن نتحدث عن ظاهرة؟ أم أن الأمر لايعدو أن يكون حالات معزولة؟ (م ش)، اعتقلت رفقة زوجها سنة2002، وقضت رفقته سنتين في الزنزانة، قبل أن يتم الإفراج عنها، وبقي هو ليكمل عقوبة 20 سنة من السجن. (ح ر)، اعتقلت وعمرها 14 سنة بتهمة عدم التبليغ عن التوأم القاصر (س) وأختها (إ)، وهو نفس الملف الذي اعتقلت فيه (غ ت)، التي حكم عليها بسنة من السجن، كان ذلك سنة 2003،التوأم (س) و (إ)، تم اعتقالهن في ملف ضخم جدا، أكبر منهن بكثير، حيث كانتا لم تتجاوزا 14 سنة، ومع ذلك وجهت لهن تهم خطيرة، كمحاولة تفجير مبنى البرلمان، حكم عليهما بخمس سنوات سجنا، قضتا منها سنتان فقط، وأفرج عنهما بعفو ملكي سنة 2005. الأختان بوعرفة اعتقلتا بتهمة عدم التبليغ عن أخيهما، وحكم عليهما بسنة من السجن، تركتا والدهما الطاعن في السن والمريض بأمراض مزمنة، دون معيل. سنة2005 قضت إحدى النساء الصحراويات، 6 سنوات من السجن، فيما عرف بالمسلمين الجدد. في سنة 2006 اعتقلت زوجتا طيارين وطبيبة وربة بيت، في ما سمي خلية أنصار المهدي، توبعن بتهمة تمويل أنشطة إرهابية، تقول إحداهن: “أنهن أعطين الأموال لغرض المساعدة الإنسانية، ولا علم لهن بأي أنشطة إرهابية”. قضين أربع سنوات في السجن، وفقد زوجاهما الطياران عملهما. (ح م) اعتقلت سنة 2007 رفقة زوجها وهي حامل في شهرها الثالث، وحكم عليها بسنتين موقوفة التنفيذ، بعد أن قضت منها سنة وتسعة أشهر، وضعت فيها مولودتها داخل السجن. طبيبة أخرى هي (ض أ)، اعتقلت نهاية 2009 لأنها سلمت أموالا كمساعدة لشقيقها، الذي كان قد اختفى، لتجد نفسها متهمة بالتستر على أخيها الذي قيل إنه التحق بإحدى بؤر التوتر، فاتهمت أيضا بتمويل الإرهاب. الطالبة (ف أ)، اعتقلت مطلع 2010، وقضت أزيد من سنة من السجن، بتهمة تكوين عصابة إجرامية لإعداد وارتكاب أعمال إرهابية. الحالات التي ذكرنا كانت كلها في الفترة بين 2002 و2010، وهي حالات كما يظهر، توبعت بتهم عدم التبليغ أو التمويل، أو الاعتقال رفقة الزوج، وهي 15 حالة، ثلثهن قاصرات. لكن هل الرقم الذي أعلنته السلطات هو الرقم الوحيد الذي يعكس تورط النساء في ملفات كهذه؟ أم أن هناك أرقاما وحالات أخرى؟ الجواب عن هذا السؤال، لن نجده في القصاصات الإخبارية، ولا في بيانات السلطات الأمنية. بحكم تعاملنا مع بعض الجهات الحقوقية المشتغلة على الملف، وتواصلنا المباشر مع بعض المتورطات، أو مع عوائلهن ومحيطهن، توصلنا لأرقام وحالات ومعطيات أخرى غير معلنة، لكن قبل ذلك، دعونا نتوقف مع رقم آخر، هذه المرة هو رقم رسمي أعلنت عنه السلطات، ويتعلق بالمغربيات المتورطات في ملفات إرهاب، لكن خارج التراب الوطني. بحسب عبد الحق الخيام، مدير المكتب المركزي للتحقيقيات القضائية[4]، فإن عدد النساء اللواتي ذهبن لسوريا والعراق منذ اندلاع الثورة السورية، أي ما يزيد عن 7 سنوات، هو في حدود 284، رجعت منهن 52 امرأة، ولم يتطرق المسؤول الأمني، لمصير العائدات. للتأكد من اعتقال العائدات، توجهنا بسؤال إلى اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، وهي تكتل حقوقي متخصص في الدفاع عن المتابعين في ملفات الإرهاب، مفاده: هل اعتقلت السلطات أيا من النساء العائدات من بؤر التوتر؟ فكانت الإجابة بالنفي. سنة 2015، دخلت مجموعة فتيات السجن في صمت وخرجن منه بصمت، ولم تسلط وسائل الإعلام الأضواء عليهن٬ كانت التهمة حسب معلومات حصلنا عليها، من طرف العوائل، محاولة الالتحاق ببؤر التوتر، فتم اعتقالهن في المطار، وبحسب معلومات أدلت بها لنا إحدى الموقوفات، فإن عدد المعتقلات هو خمس فتيات، فضلن هن وعوائلهن، عدم الحديث عن قضيتهن أو تسليط الأضواء عليها، فمر اعتقالهن وخروجهن صامتا. في أكتوبر 2016، أعلنت السلطات اعتقال خلية نسائية خالصة، مكونة من عشر فتيات، بينهن سبع قاصرات، اثنتان تبلغان 15 سنة، واثنتان تبلغان 16 سنة، وثلاثة 17 سنة، اتهمتهن السلطات بمبايعة داعش والإعداد لعمل إرهابي داخل البلاد، كانت هذه أول حالة معلنة لاعتقال خلية مكونة من النساء فقط. قبل ذلك بثلاثة أشهر، وتحديدا في شهر يوليوز 2016، كانت هناك اعتقالات كثيفة وصامتة تجري على قدم وساق، اعتقلت مجموعات من الفتيات بينهن قاصرات، قضين ثلاثة أيام في مخافر الشرطة، وتمت متابعتهن في إطار سراح مؤقت، لتصدر الأحكام تباعا في حق الواحدة تلو الأخرى، ابتداء من مطلع ماي 2017، بالبراءة وبسنة موقوفة التنفيذ. (ليلى أ ع) طالبة جامعية بشعبة الدراسات الفرنسية، هي إحدى الموقوفات اللواتي اعتقلن لمدة ثلاثة أيام بتهمة الإشادة بالإرهاب، عن طريق تدوينة فيسبوكية على حسابها، قالت في تصريح خاص لنا، أنها كانت ضمن مجموعة من سبع فتيات إحداهن قاصر، من مدن مراكش تطوان المحمدية القنيطرة الجديدة وسيدي بنور، تم اعتقالهن في إطار خلية، لكن تمت متابعة كل واحدة بتهم مختلفة، (الإشادة، التواصل، محاولة الهجرة). وأضافت ليلى في حديثها لنا، أنها تعرف مجموعة أخرى مكونة من ست فتيات، توبعن بنفس التهم. (دنيا س) ناشطة في مواقع التواصل الاجتماعي، أمدتنا بمعطيات ومعلومات عن ناشطات بمواقع التواصل اختفين عن الأنظار فجأة في وقت متزامن، قالت أنها علمت فيما بعد أنهن اعتقلن، تقول أنهن في حدود عشرين فتاة أو أزيد. عدد المعتقلات من القاصرات والطالبات إذن، هو في حدود العشرين٬ اعتقلن قبل سنتين، بتهم تتراوح بين الإشادة والتدوين والتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي المعطيات التي حصلنا عليها، من مصادر متعددة ومختلفة، لكنها متطابقة. نحن إذن أمام 15 حالة اعتقال معلنة بين 2002 و 2010. و5 حالات اعتقلن بصمت بين 2015 و 2016، وقضين فترات سجنية وخرجن بصمت. وحوالي 20 حالة غير معلنة تمت متابعتهن في إطار سراح مؤقت، بين شهري يونيو ويوليوز 2016. و10 حالات ضمن خلية نسائية تم الإعلان عنها في أكتوبر 2016. ما مجموعه 50 حالة بين المعلن عنها وغير المعلن، على مدى 16 سنة، بمعدل ثلاث حالات في السنة. وبحسب تصريح الخيام السابق، فإن حوالي50 امرأة على الأقل عادت من بؤر التوتر، ولم يتم اعتقال أي واحدة منهن، كما أجابتنا اللجنة المشتركة. فما الذي جعل السلطات توقف بعض الفتيات في المطار، ولا تسمح بمغادرتهن أرض الوطن، وتعتقلهن وتتابعهن بقانون الإرهاب، وتقضين عقوبات سجنية من سنة إلى سنتين؟ رغم أن أي واحدة منهن لم تقم بأي عمل إرهابي داخل بلدهن، في الوقت الذي لم يتم اعتقال عدد من النساء، قلنا أنه فاق 280 امرأة، بينهن نساء معروفات عالميا، كفتيحة الحساني، المعروفة بأم آدم المجاطي، زوجة القيادي في تنظيم القاعدة كريم المجاطي، التي غردت على تويتر، بعد وصولها لسوريا، أنها تلقت معاملة حسنة في المطار حين كانت تهم بمغادرة أرض الوطن. سؤال بقي عالقا طيلة إعدادنا لهذا الملف الشائك، ولم نجد له جوابا، عند بعض من اتصلنا بهم من المحامين والحقوقيين، لكننا يمكن أن نلتقط منه إشارة تساعدنا في الإجابة عن سؤالنا الرئيسي. حسب المعطيات والأرقام المذكورة، فإن مجموع المتورطات في ملفات الإرهاب على مدى 16 سنة، سواء الحالات المعلنة أو غير المعلنة، والمتهمات داخل أرض الوطن، أو المتورطات خارج التراب الوطني، هو في حدود 334، تشكل اللواتي ذهبن منهن إلى بؤر التوتر حوالي 85 في المائة، أغلبهن أمهات وزوجات وأخوات وبنات، القاسم المشترك بينهن، هو المستوى التعليمي والاجتماعي المتدني، والارتباط بالرجل ابنا أو أبا أو أخا أو زوجا. أما 15 في المائة المتبقية، أي حوالي 50 امرأة، فإنهن موزعات على مدى السنوات الستة عشر، على تهم مختلفة ومتفاوتة تتراوح بين التمويل أو عدم التبليغ أو التعاطف مع المقاتلين في بؤر التوتر، وحتى التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو كتابة تدوينات، بمعدل ثلاث حالات في السنة، وبينهن عدد لابأس به من القاصرات والأميات وذوات التعليم المحدود، وتوجد بينهن أيضا طبيبات ومهندسات وطالبات جامعيات، لكن هذه التخصصات معدودة على أصابع اليد الواحدة. نحن إذن أمام مؤشرات توحي بأن هناك سياسة أمنية تتساهل نسبيا مع العائدات، باعتبارهن ضحايا ذهبن مكرهات تحت سلطة وتبعية الرجل، وهو أمر يمكن أن نفهم منه أن السلطات لا ترى فيه تهديدا حقيقيا، وأنه لايرقى لدرجة الظاهرة التي تستدعي تعاملا خاصا، بخلاف الناشطات داخل التراب الوطني، فإنها ترى فيهن خطرا أكبر، فتبادر لتفعيل الخطط الأمنية الاستباقية في حقهن. وبحسب أسئلة وجهناها لعدد من المتابعات، فإن أجوبتهن ساعدتنا على رسم خارطة تمكننا من إدراجهن ضمن ثلاث فئات:
- المقتنعات بإيديولوجيا التطرف قناعة راسخة نابعة عن اعتقاد جازم
- المتحمسات من المغرر بهن الواقعات تحت تأثير الإبهار بكل أشكاله
- المرتبطات بأزواجهن أو بالرجل عموما ممن لاحول ولاقوة لهن
- نجوى الصاعدي (درجة الماجستير من جامعة الملك عبد العزيز، وهي زوجة خالد الوافي الحربي أحد المعتقلين)
- أروى بغدادي (زوجة ياسين العمري المحكوم بعشر سنوات من السجن)
- حنان سمكري (أرسلت ابنيها واحد إلى العراق والآخر إلى أفغانستان)
- نجلاء الرومي (عرفت حركيا بأم الزبير، يمنيّة الأصل، وهي زوجة أحد المعتقلين)
- هيفاء الأحمدي (اعتقلت سنة 2011، واشتغلت مع أسر المعتقلين لسنين طويلة)
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك