... رأي / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:
مغربنا1-maghribona1
يعبر الرئيس الفرنسي السابق في الفصل المخصص للمغرب عن إعجاب مثير للغاية بشخص الملك ومبادراته، وهو يقوم بذلك انطلاقا من سجل دولة ليبرالية متقدمة على الطريق المؤسساتي، كما يفعل ذلك من زاويته كرئيس للجمهورية التي ربطتها بالمغرب علاقات تاريخ متلاطم وهادئ في نفس الوقت، ومن المحقق أنه يفعل ذلك وهو يدافع عن بلاده ومصالحها، كما يفعل ذلك من زاوية قناعاته، كرجل دولة لها تاريخ خاص مع المسارات الديموقراطية وتدبير الصعوبات.
ومن هنا فإن سرديته تمنح للملك محمد السادس بورتريه فريدا للغاية، وله طابع غير مسبوق عند معالجة القضايا الكبرى التي واجهتها البلاد في فترات عصيبة منها فترات الربيع العربي.
لنترك ساركوزي يتحدث:» كما حدث لي في غالب الأحيان في السابق، فوجئت مرة أخرى من عمق رؤية ملك المغرب وتفاعلها الرفيع المستوى. فقد أثرنا معا، ولمرات عديدة، سبل تفكيره المؤسساتي، وكان يعود باستمرار إلى هذه المسألة. ولقد وجدته مبدعا لكنني لم أتوقع بأنه سيكون قادرا على اتخاذ القرار بسرعة، وخصوصا بهذه القوة! والمغرب كان قد عرف على غرار دول عربية أخرى توترات من الخطورة بمكان، وكانت المظاهرات عديدة وصاحبتها البلبلة، ولم يكن الملك يملك أي موارد بترولية أو غازية من أجل محاولة تهدئة الحشود الغاضبة، وكانت تلك صعوبة إضافية ولا شك، ولما وجد نفسه في مواجهة براكين الربيع العربي، قرر أن يستبق ويبدع، علما أنه لم يكن عليه أن يتصرف تحت الضغط وكان قادرا على ضبط أجندته، وفي مبادرة فاجأت كل معارضيه، أعلن الملك إصلاحا كبيرا لدستور المملكة. وبمقتضى هذا الإصلاح أصبحت سلطاته السياسية والدينية مقلصة، وهو ما يشكل في حد ذاته تقدما جد ثري، لكنه ذهب أبعد عندما قرر أن يعرض مشروعه للاستفتاء، ابتداء من شهر يوليوز الموالي… كانت المفاجأة شاملة، والإبداع عميقا والأجندة جد سريعة برغبة ذاتية، وبعد المصادقة على الدستور الجديد، سيكون رئيس الحكومة المقبل هو الذي يدير الجهاز التنفيذي، بيد أن الأكثر إبداعا كان، في هذه الحالة، تعيينه من داخل الحزب الذي يتبوأ المرتبة الأولى في انتخابات مجلس النواب المغربي، وهو ما يعني، بشكل ملموس، أن المغرب سيصبح به من الآن فصاعدا حكومة تخرج من الاقتراع العام المباشر، فإلى حدود هذه الساعة كان لملك المغرب الصلاحية بأن يختار بكل حرية الوزير الأول، وقد تخلى عن هذه السلطة، وهذه التغييرات أدخلت المغرب في عهد جديد تماما، وذلك كان حدثا معتبرا.
سألت محمد السادس ما إذا كان ينوي التصرف في حالة ما إذا عاد الفوز الانتخابي إلى الإخوان المسلمين، والذين كما أعرف يمثلون خصومه التاريخيين، وقد جاء جوابه بلا لبس، نعم، وهو ما فعله بالضبط حين حان الوقت. علاوة على هذا، أضاف الملك استقلالية القضاء وسلطته الخاصة بتعيين موظفي الدولة السامين المدنيين¡ الذي صار من اختصاص رئيس الحكومة، كما أن الطابع «المقدس» لشخص الملك قد أزيل وتم تعويضه بصياغة أقل تفخيما تقول: «شخص الملك لا تنتهك حرمته، وللملك واجب التوقير والاحترام.» ، وبقي الإسلام دين الدولة، والملك القائد الأعلى للقوات المسلحة. أعلنت عبر بيان رسمي تثمين ما وصفته بـ» المسار النموذجي»، وبفضل هذه الديناميات غير المسبوقة احتفظ الملك محمد السادس بثقة وعطف شعبه، وصمدت الملكية في وجه إعصار الثورات العربية، فعاد الهدوء إلى الشارع، ولما ربح الإخوان المسلمون الانتخابات التشريعية بعد شهور عين الملك زعيمهم رئيسا للحكومة، وعاش المغاربة تجربة الإسلاميين في السلطة، وقد دام ذلك أقل من عقدين من الزمن تقلصت خلالهما قوتهم إلى 4٪ من أصوات المغاربة، وهكذا بدعوتهم إلى تحمل المسؤولية لم يجعل منهم الملك ضحايا، وكما أسر لي بذلك « بمجرد ما سيواجهون البطالة وارتفاع أسعار المواد الأولية وصعوبة السكن .. سيجدون صعوبة في الاحتفاظ بدعم قواعدهم الشعبية». لقد صدقت نظرته، وبفضل هذا العاهل المستنير، يبدو المغرب جزيرة من الاستقرار الديموقراطي داخل عالم إسلامي تجتازه العديد من الأزمات والانقسامات. إن شخصية محمد السادس فريدة في عالم الرؤوس المتوجة ورؤساء الدول، إنه رجل ما فتئت أعجب به وأحترمه».
لا يمانع الرئيس ساركوزي في الاستسلام إلى حنين تلك الفترة، وهو يعزو هذه القوة الجارفة في الحنين إلى تلك الفترة من العلاقات المغربية الفرنسية، إلى «معاينته للتدهور البطيء للعلاقات الثنائية منذ قرابة عشر سنين»، وهو يفسر كالتالي :» هذه الوضعية هي أولا نتيجة عناد الرئيسين اللذين جاءا بعدي ( ويعني بهما فرانسوا هولاند وإيمانويل ماكرون ) بسبب رغبتهما اللعب أكثر من اللازم، والاستثمار كثيرا في العلاقة مع الجزائر، مهما كان الثمن¡ وهو خطأ استراتيجي لأن السلطة الجزائرية، التي تعاني فيها الشرعية الديموقراطية من الضعف، في حاجة إلى خصم كي تبرر وجودها، وهذا الخصم لا يمكن أن يكون غير فرنسا التي يشكل ماضيها الاستعماري هدفا سهلا.» طبعا في هذا الباب يتفق الرئيس السابق مع العديد من التحليلات التي ترى بأنه بدون انتقال ديموقراطي يحمل إلى السلطة حكومة ذات شرعية لا يمكن المراهنة على تغيير في سلوك العسكر الجزائري ودولته. ويختم ساركوزي بالقول: « لا نملك الوسائل كي نكون قريبين من كل دول العالم، والديبلوماسية الناجعة تفرض القيام باختيارات، وهي اختيارات من وجهة نظر بديهية، ثم عندما تكون الجزائر مستعدة لإعادة العلاقات مع فرنسا على قاعدة واضحة وغير معقدة وموثوقة، سيكون من الممكن بناء مستقبل على أنقاض هذه الفترة ما بعد الاستعمار .. الطويلة».
المصدر:يومية الاتحاد الاشتراكي الورقية بقلم عبد الحميد جماهيري
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك