مغربنا1-maghribona1
منذ عقديْن من الزمن ونيف، لم يكفَّ قلمنا عن متابعة الشأن السياسي المغربي؛ إذ لم يترك شاذة ولا فاذة من جديد التدبير المحلي والوطني للشأن السياسي إلا و سجل حوله رأيا، أو شمله بنقد، أو أثنى عليه بموقف. وذلك طيلة تجربة حكومة العدالة والتنمية في نسختيْها، وقبلها حكومة التناوب التوافقي. على خلاف هذه الحكومة الجديدة/القديمة التي عرف فيها قلمنا عطالة غير مسبوقة. وهو ما لاحظه العديد من متتبعي جديد كتاباتنا التي عزفت عن السياسي، واستعاضت عنه بالثقافي، والفكري، والتربوي، خلاف ماضيها المشاكس للحكومتين السابقتين (التقدمية، والإسلامية في نسختيها). وهو، بالمناسبة، عزوف عام داخل الوسط الصحفي (الصحافة المكتوبة)، عزاه البعض إلى غياب الداعي الإعلامي لهكذا كتابات نقدية، مع انتشار وسائل جديدة للنقد أكثر جدوائية، وأعظم فاعلية من سطور تكتب على صفحة منبر. من ذلك الانتشار الواسع لتقنية الفيديو القصير و“الهاشتاغات” وغيرها من وسائل وأدوات الاحتجاج والتعبير عن الرأي عبر وسائط التواصل الاجتماعي. وهو ما وجد فيها الكثير من المهتمين بالشأن السياسي الوطني، من غير الصحافيين، وحتى بعض الصحافيين، الأداة الأكثر تأثيرا، والوسيلة الأكثر فاعلية لإيصال الرسالة إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور. مما جعل الفعل الصحفي المكتوب ينحسر إلى أدنى مراتبه النقدية.
غير أن هذا السبب ليس هو الوحيد الذي خلق هذا العزوف عن النشر المكتوب، بل ثمة أسباب أخرى ساهمت في هذه “اللامبالاة” نوجزها في سببين اثنين:
الأول: ما ذكره أحد الصحافيين، رئيس تحرير جريدة مغربية عريقة، حين ردَّ، في صراحة مثيرة، عزوف قلمه عن نقد الحكومة الحالية إلى غياب من يدفع “المقابل” الذي كان يدفع له خلال حكومة الإسلاميين من طرف الخصوم السياسيين والإيديولوجيين لهذه الحكومة. وهو ما توقف بعد صعود حزب الأحرار إلى الحكم، وغياب من يدفع. وهو سبب معقول إلى حد ما، خصوصا وأن أغلب الأقلام التي كانت تحمي الوطيس، سابقا، من إياها. وأن بعض المنابر الإعلامية التي كفت عن نقد الوافد الجديد، قد كانت، سابقا، في مقدمة المنابر التي لا تكف عن نقد ومهاجمة وتأليب الرأي العام على الحكومة السابقة، رغم أن ما قامت به الحكومة الحالية، في ظرف وجيز جدا، من هتك صارخ للقدرة الشرائية للمغاربة، وزيادة مهولة في سعر المحروقات، (تحرير هذه الأسعار تم مع الحكومة السابقة ولم يعرف المغاربة هذه الزيادة الصاروخية إلا مع هذه الحكومة، رغم أن سعر البرميل لم يتجاوز سقف 100 دولار، وهو السقف الذي تجاوزه مع الحكومة السابقة. فتأمل !!)..
قلت: لم يعرف المغرب نظير هذا الهتك وهذه الزيادة منذ أزيد من ثلاثة عقود، حتى خرج المغاربة إلى الشارع في مسيرات احتجاجية ولَمَّا تبلغ الحكومة سنتها الأولى. ولا تفسير لهذا الصمت المطبق لهذه المنابر والأقلام عن هذا الهتك الصارخ والخطير لمعيش المغاربة اليومي، إلا بغياب هذا المصدر التمويلي المشبوه الذي كان يمول الأقلام المأجورة خلال الحكومة السابقة !.
والسبب الثاني، والذي كان خلف عزوفنا النسبي عن متابعة هذا الشأن خلال هذه الحكومة الحالية، خلاف ما كنا عليه خلال التجربتين السابقتين، تجربة التناوب وتجربة الإسلاميين، هو اعتقادنا أن المغرب قد دخل، بالفعل والقوة، في مرحلة اجترار سياسي لما قبل حكومة التناوب الأولى. و أنْ لا جديد سينضاف إلى الحقل السياسي المغربي، وإلى منطق وفلسفة التدبير الحُكْمي والحكومي بالمغرب.
فالحكومتان السابقتان، التقدمية والإسلامية، ما هما إلا حادثتي سير طارئتين على مسار حُكمي مؤسَّس دام لأزيد من أربعة عقود. وقد جيء بهما لاستنزاف رصيدهما الشعبي، وعمقهما الأيديولوجي الذي ظل يؤرق المغرب السياسي الرسمي، ويؤمل الشعب إلى البديل المنتظر منهما. فكان لا بد من “توريطهما” في تدبير الشأن العمومي، قبل لفظهما بعد أن يقول الشارع المغربي كلمته الفصل فيهما. وهذا ما وقع بالضبط. فالحكومة الأولى (حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي) لم تستطع أن تقاوم داخل حلبة صراع سياسي غير متكافئ، ولم تستطع أن تمثل البديل داخل واقع سياسي هجين لم يسعفها للتميز. فظلت تتلقى الضربات، رغم الكم الهائل من التنازلات التي قدمتها، حتى انتهت إلى “الدص“. وعلى ذات الشاكلة سارت حكومة الإسلاميين، طيلة ولايتين، تقاوم، وتفضح، ثم تسترضي وتتنازل، فلم يشفع لها تغيير الجلد، ولا اتباع الملة، حتى خرجت من الباب الواسع للتدبير الحكمي، بعد غضب شعبي لم يُبقِ ولم يذر !!
فالآمال التي عقدناها على حكومة السيد أخنوش، رغم ما رافقها من التطبيل والتزمير والوعود المسيلة للعاب المخدوعين، كانت صفرا أو يكاد. لذلك لم يكن من داعٍ للعب “لعبة المناصحة” لحكومة ليس لديها ما تعطي، وهي أشبه ما تكون بحكومة “فترينة“، خلاف حكومتي اليسار والإسلاميين اللتين علق عليهما الجميع، حتى أكبر المتشائمين من الوضع السياسي المغربي، آمالا كبيرة. فكان انخراطنا في متابعة وتقييم ونقد تدبيرهما اليومي للشأن العام، ضرورة وتحصيل حاصل لنا ولكل قلم حُر يبغي نجاح التجربة، وتحقق الأفضل. أما الآن، ومع هذه الحكومة، سيكون كل انشغال بنقد تدبيرها اليومي ترديد لمعلوم عند الشعب بالضرورة، ومضيعة للوقت ما دام الإجماع حاصل على سوء التدبير، وإخلاف الوعود.
دمتم على وطن.. !
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك