مغربنا 1 المغرب
- الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والرسل، أي أنها شرف عظيم، وعمل صالح، ودرجة في الارتقاء الإنساني لمن وفقه الله إلى تحمل مسؤوليتها وتبعاتها المادية والمعنوية. لذلك فإن الداعية امرؤ مُعرّض للمتاعب والمصاعب والمضايقات والمعاناة شأنه في ذلك شأن الأنبياء والرسل. فطوبى لمن استطاع أن يحمل أعباء الدعوة إلى الله، وكان صبورا وحليما ومتفانيا في أداء رسالته التي جعل الله لها مكانة مرموقة في كتابه العزيز، وبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم فضائلها وخصائصها وأجرها في سنته الشريفة الصحيحة.
وإذ لا نزكي على الله أحدا، فإننا نشهد بأن الداعية الأستاذ ياسين العمري قد مثَّل هذه الدعوة على أحسن وجه في السنوات الأخيرة ببلادنا، وأن نجاحه في تنوير قلوب الناس بأمور دينهم ودنياهم كان ومازال هو مصدر الأحقاد التي تصنعها شرذمة من بني غلمان في معامل نفوسهم الأمارة بالسوء، وتُنفثها سموما في كثير من وسائل التواصل الاجتماعي.
لم يكتب لي الله أن ألتقي بهذا الداعية الجميل، أو أن أحضر مجلسه عن قرب، لكني سمعت قليلا من دروسه وخطبه وشذرات من كلماته وعباراته المركزة التي يوزعها الناس عبر "الواتساب" و"تيك توك" وصفحات "الفيس بوك"، فوجدته نعم المسلم الذي ينتصر لله ورسوله، ولا يتورع عن قول الحق، وإظهار سبيل الرشاد، وتصحيح مفاهيم الناس الشعبية حول الدين وما يرتبط به من قضايا الدنيا والآخرة، وهو في كل هذا حريص على أن يكون الداعية الملتصق بواقع الناس؛ والخبير بأفراحهم وأحزانهم؛ والمعبر الصادق عما يختلج في صدورهم من تطلعات وهموم. أي أنه أضحى الداعية العضوي بالمعنى الدقيق، وهو الذي يساوي عند المفكر الماركسي الإيطالي غرامشي: المثقف العضوي، مع اختلافات جذرية بين المفهومين، لأن الداعية، وهو مطالب بالتواجد الفعلي بين صفوف الناس، قد يكون مثقفا، بينما المثقف قد لا يكون داعية، وقد يكون حضوره بين الناس من خلال أفكاره وتوجيهاته ونصائحه فقط دون بدنه.
ومن ثمة، فليس غريبا أن يتابعه (ويتابعون نظرائه من دعاة الله المخلصين) عدد من بني غلمان ويترصدون مواقفه وأقواله وحضوره بالندوات التربوية والعلمية، وبفعاليات بعض الجمعيات والمؤسسات الثقافية، وبأنشطة الكليات والجامعات المغربية، لاعتقادهم (وهم محقون في ذلك) بأنه شخص قوي التأثير في مختلف أجيال الناس، وبأن استمرار نجاح دعوته بين الشباب خاصة؛ سيُضيِّق الأرض من تحت أرجلهم، ويغلق آذان الناس وأفئدتهم عن سماع خطاباتهم السطحية والمهترئة المبنية على النزوعات الحيوانية من متعة وشهوة وبوهيمية وتفاهة ثقافية. من هنا كان رد فعلهم إزاء موقفه الشرعي الصارم من مسلسل "لمكتوب" وشخصية إحدى ممثلاته "الشيخة" متطرفا ومجنونا وعنيفا وإرهابيا. علما أن موقف الداعية ياسين من شخصية "الشيخة" ليس جديدا، إذ لم يكن أول من صرخ عاليا وقال: اللهم هذا منكر ! وإنما سبقه كثير من نقاد الفن والأدب ومن العوام البسطاء إلى التعبير عن رفضهم للدعوة إلى شرعنة هذه الشخصية والتطبيع معها في حياتنا الاجتماعية ورعاية نموها داخل الأسر المغربية وحمايتها من ردة فعل خصومها المنتمين إلى العفة والصلاح والتقوى. لكن تأثير الداعية ياسين في أوساط محبيه وبين العقلاء لا يضاهيه أي تأثير آخر.
نحن نعلم جيدا أن الداعية ياسين العمري عند ممارسته للدعوة إلى الله يكون مستقلا عن كل جهة لا ترتبط بالدين الإسلامي قولا وفعلا، وأنه في عمله الصالح هذا يكون مخلصا لله ورسوله وأولي أمره، خاصة وأن دستور البلاد يتيح له كل الآليات لإنجاح وظيفته الربانية. أليس دستورنا ينص على الإسلام في أكثر من فصل ومقتضى؟ أليس دستور البلاد ينص على إمارة المؤمنين؟ أليست من مهام إمارة المؤمنين فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أليس أعضاء المجالس العلمية والعلماء والدعاة وخطباء الجمعة ينوبون عن إمارة المؤمنين في القيام بأعباء هذه الفريضة؟.
أقول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن عددا ممن تعاطفوا مع الداعية الأستاذ ياسين العمري اعتقدوا أن موقفه من شخصية "الشيخة" في مسلسل "لمكتوب" نابع من ممارسته لحرية التعبير، وهذا خطأ فادح، وقصور في فهم الإسلام وفرائضه وأصوله الأساسية وخاصة في بناء المجتمع والدولة. إن موقف الأستاذ ياسين العمري يجد شرعيته في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي فريضة تتجاوز حرية التعبير والرأي والنشر، والفرق كبير جدا بين الحرمات والحريات. والنهي عن المنكر ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أولها ما كان من حقوق الله تعالى، والثاني ما كان من حقوق الناس، والثالث ما كان مشتركا بين هذين الحقين.
وعليه، فإن تأثير الداعية ياسين العمري في الناس مستمد من انتمائه لهذا الدين الذي صنع قديما وحديثا أمة عصية على الانهزام أو الاستئصال، كما أن هذا الانتماء هو الذي يحفظ لأسلوب دعوته المبني على الكلمة الهادئة والموعظة الحسنة حظوظه الكاملة في أن لا يذهب جهده سدى، وفي أن تكون الاستجابة له عظيمة، وتأثيره في الناس أعمق وأبلغ، وهو في هذا خير نموذج للمسلم الذي يفعل ما يقول، أي أنه أسوة حسنة. بينما خصومه من بني غلمان الذين يحاربون الدين المنصوص عليه في دستور هذه البلاد الآمنة يناصرون المنكر، ويعاقرون الخمر، ويزنون، ولا يخافون الله، ولا يتبعون سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك