أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا
في زمن صار فيه احترام المعلم خرافة، والوقار تهمة، والحشمة ضعفًا، برز
مشهد صادم يعكس عمق الانحدار الأخلاقي الذي ضرب جيلًا كان يُفترض أن يُراهن عليه
في بناء الغد.
"بشيشاوة" تلميذ يعتدي بعنف على
أستاذه، وتتحرك السلطات وفق ما يمليه القانون في شخص رجال الدرك الملكي مشكورين،
لكن المفاجأة أن الشارع يشتعل بعشرات التلاميذ دفاعًا عن التلميذ المعتدي، لا عن
الأستاذ المعتدى عليه.
أيُّ زمن هذا الذي نعيش فيه؟
ما يُثير الغضب أكثر، أن المعتدي لم يكن مجهول الهوية أو مجرد جانح هارب من
القانون، بل كان "الكسول المبجل" الذي حُمل على الأكتاف كالأبطال، بعد
أن أُطلق سراحه بفضل تنازل الأستاذ المتعاطف، هذا المشهد "الكاريكاتوري"
الممزوج بالمرارة يعكس انقلابًا قيميا خطيرًا، حيث يُكافأ العنف وتُصفق جماهير
التلاميذ القاصرين للخطأ وتُدفن القيم تحت أقدام الجهل والتشجيع الأرعن، للأسرة
دور.
أين هي ؟
لم يعد الحديث عن التربية مجرد ترف تربوي، بل صار ضرورة أمنية واجتماعية،
كيف نُفرط في ملايين الدراهم لتطوير الذكاء الصناعي، وننسى الذكاء الأخلاقي؟
أي معنى لتكنولوجيا متقدمة في مجتمع لا يحترم معلميه؟
كيف نُراهن على الخوارزميات ونُهمل المبادئ؟
ما الجدوى من روبوتات تفهم اللغة الطبيعية، إن كانت الأجيال التي نربيها
عاجزة عن النطق بكلمة "شكرا" أو "آسف"؟
كيف نُبرمج الذكاء الاصطناعي على التعاطف، في حين نفتقده نحن البشر في
مدارسنا وشوارعنا وبيوتنا؟
ما نحتاجه اليوم ليس فقط ثورة تعليمية، بل نهضة أخلاقية تبدأ من داخل
الصفوف الأولى، علينا إعادة هيكلة النظام التربوي من جذوره، يجب أن تكون السنة
الدراسية الأولى مخصصة بالكامل للتربية والسلوك والاحترام فقط، لا مقررات، لا لغة،
لا حساب… بل تربية خالصة.
في السنة الثانية، تُخصص المرحلة لمواكبة سلوكية عملية، حيث يُراقب كل
تلميذ من طرف مختصين نفسيين واجتماعيين..، يُقوّمون السلوك ويعالجون الانحرافات في
بدايتها قبل أن تتحول إلى جنوح أو جريمة مستقبلية.
أما التعليم الأكاديمي، فيبدأ من السنة الثالثة، بعد أن نضمن أن التلميذ
أصبح مستعدًا لتلقّي المعرفة، لا بذاكرته فقط، بل بأخلاقه وانضباطه، حينها فقط،
يكون للتعليم معنى، ويكون للمدرس هيبة، ويكون للتلميذ مستقبل، المؤسف أن بعض
المسؤولين لا يزالون يرون أن الحل يكمن في ضخ الأموال في مشاريع الذكاء الصناعي،
بينما الواقع يُصرخ أمامهم بأن المدرسة تموت أخلاقيًا كل يوم.
أقولها دائما، الذكاء الأخلاقي هو البنية التحتية الحقيقية لأي نهضة، وما
سواه مجرد واجهة براقة لواقع متهالك، أقسم لن ينجح، وإلا إذا كانت نوايا في نفس
يعقوب والله أعلم.
من المؤلم أن يخرج الأطفال مطالبين بإطلاق سراح معتدٍ على أستاذ، دون أن
يجدوا من يصحح لهم المفهوم، لا أولياء أمور ينبهونهم، ولا إعلام يفضح الانحراف،
ولا وزارة تتحرك لتصحيح الخلل، هذا ليس جيلا ضائعًا، بل جيل يُدفع نحو الضياع عن
سبق إصرار وترصد، الأدهى أن هذا التلميذ لم يعتذر، بل عاد مرفوع الرأس، كمن أنجز
بطولة، وسط تصفيق زملائه وزغاريد بعض الفتيات، في مشهد يشي بأن مفهوم النجاح تغير،
وأن البطل في نظر البعض لم يعد من يتفوق أو يخترع، بل من يعتدي ويُفلت من العقاب.
أين الأسر؟
أين الجمعيات؟
أين المجتمع المدني؟
أين الوزارة؟
أليس هذا هو الوقت المناسب لكي نقف جميعًا ونعترف أننا فشلنا تربويًا؟
أم سننتظر أن يخرج جيل كامل فاقد للبوصلة، لا يفرّق بين الحق والباطل، بين
الأستاذ والعدو؟
هذا المشهد يُجبرنا على طرح السؤال المحوري:
هل نحن نربي أطفالًا أم نُطلق ذئابًا صغيرة إلى المجتمع؟
وما الفرق بين الكسول المعتدي والمتحرش في الشارع أو المرتشي في المصلحة
العمومية؟ كلهم نبتة واحدة، تُسقى من نفس التربة الفاسدة.
إذا أردنا مستقبلًا يليق بنا، فعلينا البدء من هنا، من الأخلاق، من
المدرسة، من إحترام جلالة الأستاذ/ات.
وإلا فسنظل ننتج ذكاءً صناعيًا ونغامر بلا روح، ومجتمعا بلا قلب لا يحس،
وتقدمًا مزيفا على الاوراق بلا أخلاق .
أعتذر نيابة عن ذلك "البطل الكسول" الذي لم يملك شجاعة الاعتذار،
بل تمادى وحُمل على الأكتاف من قاصري العر و الفكر، أعتذر لك، لأنك النبيل في زمن
الجحود، ولأنك تنازلت بدافع إنساني سامٍ أقدره، رغم أني لم أعرفك من قبل.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك