الهدم والتهجير القسري: قراءة سوسيولوجية في تفكيك النسيج الاجتماعي الحضري

الهدم والتهجير القسري: قراءة سوسيولوجية في تفكيك النسيج الاجتماعي الحضري
... رأي / السبت 05 أبريل 2025 - 13:00 / لا توجد تعليقات:

بقلم: فاطنة افيد

باحثة في السوسيولوجيا/ والنقابية البارزة

مستشارة جماعية بتمارة عن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي

في السنوات الأخيرة، تواجه أحياء عديدة في المدن المغربية، مثل الدار البيضاء و حي المحيط بالرباط وجيش لوداية بتمارة - الصخيرات، موجات متتالية من قرارات الهدم والترحيل القسري، تحت مبررات "السلامة" و"إعادة التهيئة الحضرية".

غير أن هذه الممارسات، إذا نظرنا إليها من زاوية سوسيولوجية، تكشف عن إقصاء طبقي ممنهج وإعادة تشكيل للمجال الحضري لا تخدم سوى من يملكون المال والسلطة.

المدينة ليست مجرد فضاء عمراني

وفقًا للمفكر الفرنسي هنري لوفافر، في عمله الشهير Le Droit à la Ville (الحق في المدينة) الذي صدر عام 1968، فإن المدينة ليست مجرد بنى تحتية أو عمران، بل هي فضاء اجتماعي ينتجه السكان عبر تفاعلهم اليومي، وذاكرتهم، وثقافتهم.

وبالتالي، فإن الحق في المدينة لا يعني فقط السكن، بل الحق في التواجد والمشاركة والتصرف في المجال الحضري.

ما يحدث اليوم في هذه الأحياء يُعد نقيضًا صارخًا لهذا المفهوم: السكان يُقصَون من مدينتهم، ويُجرَّدون من الحق في تشكيلها والمساهمة في هويتها.

المدن تصبح "منتجًا عقاريًا" وليس فضاءً عموميًا حيًا يشارك المواطنون في صناعته.

الهدم كأداة لتفكيك النسيج الاجتماعي

من منظور سوسيولوجي، لا يمكن اختزال هذه السياسات في بعدها التقني أو الأمني. فقرارات الهدم لا تمس فقط المباني، بل تُحدث آثارًا اجتماعية عميقة:

تفكيك شبكات الدعم الاجتماعي: الأحياء ليست مجرد مساكن، بل أنسجة حية من العلاقات الاجتماعية التي تضمن التضامن والتكافل.

 

فقدان الإحساس بالانتماء: حين يُجبر السكان على مغادرة أماكنهم، يُجبرون على الانفصال عن ذاكرتهم الجماعية، عن الحي الذي يحمل رمزية وجدانية وثقافية.

تنامي الهشاشة النفسية والاجتماعية: التهجير القسري يُنتج القلق، الشعور بالإقصاء، والإحباط، خصوصًا في غياب دعم اجتماعي أو بدائل سكنية كريمة.

انهيار الهوية الحضرية: مع كل عملية هدم، يُمحى جزء من التاريخ الشعبي للمدينة، وتُستبدل الفضاءات المفتوحة على التفاعل الاجتماعي بفضاءات مغلقة للنخبة.

إعادة إنتاج التمييز الطبقي عبر المجال

كما أشار لوفيبر، فإن التوزيع غير العادل للمجال الحضري ليس نتيجة طبيعية، بل هو نتاج علاقات القوة بين من يملكون القرار والسيطرة على الموارد، ومن يُقصَون منها. في هذا السياق، تصبح سياسات الهدم والتهجير أداة لإعادة إنتاج التراتبية الطبقية داخل المدينة: الأغنياء في المركز، والفقراء في الهامش.

ما نلاحظه في المغرب اليوم هو أن المركز الحضري يُفرَّغ من ساكنته التاريخية، ويُقدَّم كـ"فرصة استثمارية" للمشاريع العقارية الكبرى، بينما يُرحَّل المواطنون إلى ضواحي معزولة، تفتقر للخدمات والبنيات التحتية.

من أجل سياسات عادلة للمدينة

استنادًا إلى فلسفة  هنري لوفيبر، ندعو إلى تبني رؤية جديدة للمدينة، قوامها:

الاعتراف بـالحق في المدينة كحق إنساني جماعي.

وقف التهجير القسري، واعتماد سياسات ترميم تشاركية تحفظ المعمار والإنسان.

إشراك السكان في اتخاذ القرار، من خلال آليات ديمقراطية حضرية(الديمقراطية التشاركية).

إدماج البعد الاجتماعي والثقافي في أي سياسة عمرانية.

المدينة ليست ملكًا لذوي النفوذ، بل هي ملك جماعي يُعاد إنتاجه من طرف الجميع. وما يحدث اليوم ليس تنمية، بل نزعٌ للمدينة من أهلها.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك