أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي / م. إيطاليا
منذ عقود، ظلت السينما المغربية تدور في فلك الصراعات الكلاسيكية، مقدمةً صورًا نمطية مكررة تقتصر على شخصيات ثابتة، مثل المدير المتسلط في الشركة، المدرسة، الإدارة العمومية، القطاعات الخصوصية فقط، والشرطي المرتشي، والمواطن البليد، والدركي الفاسد، وأصبحت تكرس صورة نمطية عن المجتمع لا تعكس تنوعه وتعقيداته الحقيقية، وتجسيد شخصية "العروبي والمديني" .
في تجاوز فاضح، تجرأت السينما أكثر من مرة على تشويه صورة المعلم، متناسيةً أنه من علّم المخرجين والمنتجين أنفسهم القراءة والكتابة، وهو الذي أسهم في تكوين وعي الأجيال، ومع ذلك، كان جزاؤه الإساءة والتشويه في العديد من الأعمال التي تُموّل من أموال جيوب وقوت دافعي الضرائب، دون أي احترام لمكانته وقيمته الكبيرة وفضله على الجميع.
لم تقتصر الأعمال السينمائية على ذلك، بل اختار عدد من المخرجين الترويج لمواضيع مستهلكة، تدور في فلك الحانات وبنات الليل، والزواج والطلاق، والمحاكم، محاولين تسويق صورة مغلوطة عن المجتمع المغربي الأصيل النبيل بكرمه وأخلاقه العالية، وكأن هذه القضايا هي المحدد الوحيد للحياة اليومية للمغاربة.
وللإشارة، إن هؤلاء المخرجين الذين يستفيدون من كعكة التمويل وأصحاب الإنتاجات الخليعة يعيشون في الخارج، يأكلون الغلة ويسبّون الملة دون حسيب ولا رقيب في الداخل.
ورغم أن هناك أعمالًا فنية لقيت استحسان الجمهور المغربي، لأنها حافظت على خصوصيته الثقافية واحترمت ذوقه، فإن صناعة السينما لا تزال رهينةً لتيار يسعى إلى فرض رؤيته الخاصة، ولو على حساب قيم وتقاليد المجتمع.
ولعل مثال فيلم "الزين لي فيك"، الذي أثار جدلًا واسعًا بعد تصنيفه ضمن خانة الأفلام الإباحية في معرض السينما بتونس، يعكس حجم الانفصال بين بعض المخرجين والجمهور منذ عرضه إلى حد الساعة.
المفارقة أن هذه الأعمال، رغم الانتقادات الواسعة التي تواجهها، لا تجد من يصغي إلى الرأي العام، وكأن إرادة المشاهد ليست ذات أهمية، على الرغم من أن التمويل يأتي من أموال الشعب، الذي يُفرض عليه تمويل مشاريع لا تعكس قيمه ولا تمثل تطلعاته.
أما عن المواضيع المسكوت عنها، فتبقى السينما المغربية عاجزة عن الاقتراب من قضايا الفساد الكبرى، فلا نجد عملاً فنياً يتناول فساد بعض رجال الأعمال النافذين، أو القضاء، أو الوزراء، أو رؤساء الحكومات، أو البرلمانيين، مما يعكس نوعًا من الرقابة الذاتية التي تفرضها المصالح الضيقة والبحث عن التمويل السهل.
ليس هناك
عيب في أن يسعى المنتجون وراء الربح، ولكن الإشكالية تكمن في افتقارهم للجرأة الحقيقية
في تناول القضايا الجوهرية، المتعلق بمن يمنحون الدعم من جيوب الشعب، "جوع
كلبك يتبعك"، ليظلوا عالقين في المواضيع السطحية والهامشية التي تثير الجدل
فقط، دون أن تضيف أي قيمة فكرية أو إبداعية حقيقية.
من جهة أخرى، تعاني الساحة الفنية من هيمنة لوبيات تسيطر على الفرص، مما أدى إلى تكرار نفس الوجوه على شاشات التلفزيون حتى أصبح البعض منهم وكأنهم حصلوا على "إقامة دائمة" في القنوات الوطنية، بينما يتم تهميش فنانين كبار، ذوي تاريخ طويل وجمهور واسع، لكنهم لا ينتمون إلى دوائر النفوذ المسيطرة.
هذا الاحتكار جعل من السينما والتلفزيون المغربيين فضاءً مغلقًا، حيث تسود العلاقات الشخصية والمصالح الضيقة، بينما يتم إقصاء كل من يخرج عن هذه الدائرة، مما يفسر غياب التنوع والإبداع الحقيقي.
في المقابل، لو توفرت بيئة تسمح بحرية التعبير النقدي من خلال السينما والمسرح، كما في "مصر"، لما احتاج المواطن إلى البحث عن محتوى أجنبي يجد فيه تعبيرًا صادقًا عن قضاياه، ولكن طالما أن الجهات المسؤولة لا تتقبل النقد الفني، ستظل السينما عاجزة عن التطور.
إن غياب رؤية واضحة للإنتاج السينمائي يجعل المغرب بعيدًا عن صناعة سينما حقيقية، قادرة على المنافسة عالميًا، حيث يظل الإنتاج السينمائي أسيرًا للتمويل السهل والمواضيع السطحية التي تثير الجدل أكثر مما تقدم محتوى يستحق المشاهدة، ما تحتاجه السينما المغربية ليس فقط التمويل، بل الحرية الحقيقية في تناول القضايا دون خوف أو مجاملة، وفتح المجال أمام جميع الفنانين دون تمييز أو احتكار.
الجمهور
المغربي لم يعد يقبل بأن يكون مجرد متلقٍ سلبي، بل أصبح أكثر وعيًا بما يُعرض
عليه، وأكثر قدرة على تمييز الأعمال الجيدة من تلك التي تهدف فقط إلى الإثارة
والجدل العقيم، إن مستقبل السينما المغربية مرهون بمدى استعدادها للتجديد
والانفتاح، وتقديم محتوى يعكس الواقع بجرأة واحترام، دون أن يسقط في الابتذال أو
يخضع لسطوة المصالح الضيقة.
كان رمضان 2025 فرصة لفتح نقاش واسع
حول المحتوى وجودته، وما يرغب المتلقي في مشاهدته وما يرفضه، وقد وصف الجمهور
العديد من المسلسلات هذا العام بأنها تقع ضمن فئة "السكس أو البورنو
والمسلسلات الحامضة"، لما تحتويه من لقطات خادشة للحياء، بما في ذلك العناق
والقبل من الأعناق والألبسة الشفافة، خاصة في شهر رمضان الذي يحمل خصوصية دينية
وثقافية كبيرة لدى المغاربة خاصة والمسلمين بصفة عامة.
ومع ذلك، خرجت بعض الأصوات القليلة من
فئة أخرى ترى أن هذه المسلسلات تعكس جرأة أكبر وتعرض الواقع بشكل عاري.
لكن هؤلاء الذين يطالبون بتعرية
الواقع، لماذا يختارون شهر رمضان تحديدًا؟.
ولماذا لا يُعرَّى واقع السنوات العجاف من نهب
المال العام، مثل "مخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم"؟.
لماذا لا يتم تسليط الضوء على مشروع
"المخطط الأخضر للفلاحة"؟.
" لاسمير " بدلاً من ذلك،
يصرون على تسليط الضوء وتعرية أجساد الناس والمساهمة في نشر الانحلال الأخلاقي.
حتى لا يُتهمونا بالتزمت، نؤكد اليوم
في عصر التكنولوجيا أننا لا نحرِمك من مشاهدة ما تشاء، فالهواتف الذكية اليوم أصبحت
بمثابة تلفاز، ميديا، وكاميرا، توفر لك كل ما تحتاجه من تقنيات حديثة، ومن خلال
شاشة هاتفك، يمكنك مشاهدة كل ما تريد: أفلام "الكرتي"،
"البورنو"، الرياضة، الدين، "ثقافة"...أو أي محتوى تختاره.
نؤمن بالحرية الفردية في إطار احترام حقوق الآخرين، وأنت حر في
اختياراتك، لكن لا يمكن قبول خلط الأمور وفرض محتوى غير لائق، كالحديث عن الدعارة،
أمام أطفالنا. هذا يتجاوز الحدود ويُعد أمرًا غير مقبول.
دع الأطفال يكبرون ويترعرعون في بيئة صحية نظيفة سليمة، ويحق لهم اختيار ما يرغبون في مشاهدته عندما يصبحون قادرين على ذلك، نكون حينها قد حققنا معادلة التوازن بين حرية الاختيار والمسؤولية، وكل معزة تُحاسب على ما أكلت.
المثل الشعبي
المغربي يقول: "اللي كلاتو المعزة في الوطى تحطو في العقبة"، ونحن لا
نريد أن تضيع جهود العائلات في تربية أبنائهم عبثًا، بتمويل أفلام تروج وتحرض لمحتوى
"السكس" أمام عيون الأطفال من أموالهم الخاصة.
لا نخجل في قول ذلك، الأمور أصبحت
واضحة، وطفح الكيل، ووصل السيل الزبى، هذه الأعمال تبقى اختيارية، ولا يجب أن تعرض
على القنوات العامة الممولة من جيب المواطن، بل ينبغي أن تُعرض في صالات السينما
ومواقع يوتيوب.
ومن أراد مشاهدتها، "الله يسهل
عليه" .
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك