طارق ليساوي يكتب:عندما تستيقظ مصر فإن العالم العربي سيتغير

طارق ليساوي يكتب:عندما تستيقظ مصر فإن العالم العربي سيتغير
... رأي / الجمعة 01 نوفمبر 2024 - 13:29 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغربc  في مقال “الشعوب العربية بين “الاستحمار” و “القابلية للاستعمار”..” خلصنا إلى أن الشعوب العربية بالمجمل تعيش في كنف نظم حكم مستبدة و فاسدة تهذر الحقوق و الثروات بدون حسيب و لارقيب.. و تعرف خضوعا مذلا للمستعمر الأجنبي و تبعية عمياء للأعداء، و إنجراف عامة الناس و راء الباطل و التطبيل له، و صم الأذان عن نصرة الحق و أهله، و في ظل هذا الوضع العام لا  يسعنا إلا الجزم بأننا بعيدين كل البعد عن الإسلام و نهجه، بل بعيدين كل البعد على أن نكون بشرا، فلا يمكن لأي شعب من شعوب الأرض أن يقبل بأن تهدر حقوقه و مقدساته بهذا الشكل المهين، ففي الصين التي يحكمها الحزب الواحد ، يصعب على قيادة هذا البلد التفريط في شبر من أرض الصين، أو القبول بمعاملة فيها إذلال للأمة الصينية و تاريخها، و لذلك فإن الشعب الصيني يدعم حكومته و يؤيدها في توجهاتها ، أما في عالمنا العربي فإن أغلب الشعوب إستطعمت الذل، و رضيت بالإهانة، و قبلت بالتفريط في حقوقها و مقدساتها، بل إنها أصبحت مشاركة في جرائم حكامها بالصمت و السكوت عن ظلمهم و أخطاءهم، و لولا هذا الصمت و السكوت لما طغى و تفرعن أغلب  الحكام، و لعل هذا ما سماه المفكر الإسلامي “مالك بن نبي” ” القابلية للاستعمار وسماه المفكر علي شريعتي ” القابلية للإستحمار”… قد يرى البعض أني أبالغ في توصيف الوضع ، و البعض الأخر يقول ماهو الحل؟ و الواقع أننا عندما ننتقد موقف الشعوب و صمتها و ندعوها إلى الإنتفاض ضد هذه النواقص و المأسي، و ضد هذه المظالم التي يرتكبها الحكام، فهذا هو الحل بنظرنا، فإننا على قناعة بأن التغيير جماعي و ليس فردي ، فلم يعد للجهود الفردية دورا في تغيير الأوضاع على المستوى الفردي أو الجماعي، فهذه المجتمعات في وضعها الحالي لا يمكن أن تكون بيئة حاضنة لأي نجاح ، لا يمكن أن تقود لـأي إنجاز علمي أو ثقافي أو سياسي، فالنجاح الفردي و الجماعي لابد له من حاضنة، و أنا عندما أشرت في مقدمة هذا المقال إلى الصين ، فإني أعطي للعموم، نموذج لا صلة له بالحكم الديموقراطي، و لكنه نظام حكم فعال ، قادر على تحقيق إنجازات ملموسة على الأرض، فقد إخترت نموذجا أراه بأنه غير ديموقراطي ، لأقول لعموم الشعوب العربية ، أن النظم العربية فاشلة في كل شيء، إنجازها الحقيقي هو قمع الشعوب و التفريط في الحقوق و هذر الموارد و إضاعة الفرص… فالرهان بنظري هو على الشعوب التي ينبغي لها أن تستكمل ما بدأته في 2011، و لاسيما الشعب المصري، فعلى الرغم من أني مغربي الجنسية لكني على قناعة بأن مصر لها دور محوري في العالم ين العربي و الإسلامي ، و إنحدار مكانة مصر و تراجع دورها كان سببا رئيس في حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة العربية، و صعود ” الحكام الأقزام” إلى السطح و تطاولهم على الحقوق الفلسطينية ، و سعيهم الحثيث لزعزعة إستقرار بلدان لها تاريخها العريق كاليمن و ليبيا .. و الواقع أننا نتطلع في هذه الأيام إلى الشعب المصري، و نراهن على أن الثورة العربية القادمة ستكون من مصر، و لعل دعوات النزول، و حالة الاحتقان السياسي و الاجتماعي، الذي تعيشه مصر في الفترة الأخيرة، مؤشر إيجابي على قرب ساعة الحسم، و إعادة الأمور إلى نصيبها…فمصر ليست بدولة موز، و شعب مصر شعب له تاريخه، وقبوله بسياسات “السيسي” و أعوانه فيه إهانة لعراقة هذا الشعب.. و قد  أطلق نشطاء ومدونيين عبر وسائط التواصل الاجتماعي هاشتاخ “مش عاوزينك_ ياسيسي” و تعالت الأصوات بداخل و خارج مصر، مطالبة برحيل السيسي خاصة بعد تبنيه لسياسات خاطئة و مجانبة للصواب و المنطق، و قد أثارت هذه الدعوات غضب السيد السيسي و ضاق صدره بها، و هتف غاضبا “لماذا يريدون مني أن أرحل؟ “، لكن المبررات التي ساقها الرجل للرد عن سؤاله الإستنكاري، كانت في غير محلها و مجانبة للصواب، و لاتعبر عن طبيعة الأمور… وجاءت  دعوات الرحيل بعد الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية الخانقة التي تمر بها مصر، و أيضا في الذكرى الثانية لدعوة النزول التي أطلقها “محمد علي ” في عام 2019 و التي لقيت قبولا من قبل بعض فئات الشعب المصري …غضب عبد الفتاح السيسي كان في غير محله، لعدة أسباب: أولا-طريقة و صوله للسلطة في مصر لم تكن بطريقة شرعية، و فيها انقلاب واضح عن إرادة صناديق الإقتراع و انتهاك للحقوق السياسية و المدنية التي تم ترسيخها بعد ثورة 25 يناير، فمهما كان الخلاف مع جماعة الإخوان المسلمين و دراعها السياسي حزب الحرية و العدالة ، إلا أنهم وصلوا للسلطة عبر انتخابات ديموقراطية و نزيهة، شارك فيها غالبية الشعب المصري، وكانت انتخابات تعددية وتنافسية، فالإطاحة بحكم الرئيس مرسي ر حمه الله ،كان ينبغي أن يكون بنفس الآلية، أي الإنتخابات الحرة و النزيهة، وليس بالاعتماد على الحديد و النار و الدعم المالي الخليجي.. ثانيا-بغض النظر عن اختلاف وجهات النظر بين معارضي و مؤيدي السيسي و حكمه، فإن وضع مصر بعد سبع سنوات على الإطاحة بالحكم الديموقراطي، لا يدعو إلى التفاؤل ، فمصر شهدت انحدارا   اقتصاديا و اجتماعيا وسياسيا لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر الحديث. فقد شهدت سنوات حكم  السيسي ، جملة من التطورات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية السلبية، إذ شهدت البلاد إنخاضا غير مسبوق في قيمة  الجنيه المصري الصادر فقد سجل الجنيه المصري منذ قرار تعويم سعر صرف الجنيه سنة 2016 هبوطاً سريعاً ، حيث اقترب سعر صرف الدولار الأمريكي من 20 جنيهاً، بينما كان الدولار الأمريكي يساوي 7.13 جنيه فقط، وذلك  عشية الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها السيسي، وهو ما يعني أن العملة المصرية فقدت أكثر من 60٪ من قيمتها خلال الفترة المشار إليها. كما ارتفعت ديون مصر الخارجية إلى مستويات غير مسبوقة خلال الفترة الأخيرة، حيث أعلن البنك المركزي المصري إلى أن الدين الخارجي بلغ 79 مليار دولار في نهاية يونيو 2017، مقابل 55.8 مليار قبل سنة من ذلك، بزيادة تعادل 41.57٪. ونتيجة لانخفاض قيمة العملة، و ارتفاع المديونية، وزيادة معدل التضخم، و ارتفاع أسعار المواد الغذائية، سجلت نسبة الفقر المدقع ارتفاعا بنحو 5.3 % سنة 2015، بينما كانت هذه النسبة تبلغ 4.4% سنة 2012، مع العلم أن نسب الفقر أكثر ارتفاعا مما يصرح به جهاز الإحصاء بالنظر إلى الطفرة في معدل التضخم و تآكل القيمة الحقيقية للعملة..أما نسب الفقر فقد انتقلت من 25.2 في المئة سنة 2011، إلى 26.3 في المئة سنة 2013، لتصل 27.8 في المئة في 2015.هذا إلى جانب تأكل شديد في الخدمات و السلع العمومية ، خاصة التعليم و الصحة بفعل انخفاض الإنفاق العمومي و غياب الحكم الرشيد… و هذا الانحدار تعمق أكثر مع تفشي و باء كورونا، وتوقف المساعدات الخليجية لمصر، هذا إلى جانب الانفاق غير المعقلن لنظام السيسي، و الذي سعى للتأسيس لحكم “أوليغارشي” يحتكر السلطة و الثورة في يد القلة ، في مقابل تفقير غالبية الشعب، بل إن “السيسي” في ظل شح الموارد، و إثقال كاهل البلاد بالديون، و إرتفاع تكاليف خدمة الدين الداخلي و الخارجي ، سعى إلى فرض مزيد من الرسوم على مختلف فئات الشعب ، بل بدأ بفرض رسوم جد مرتفعة على سكان العشوائيات أو المباني التي بنيت على أراضي الدولة ، و في حالة عدم دفع الرسوم فالبديل هو هدم البيوت…و قد تابعنا جميعا مشاهد هدم بيوت العديد من الأسر الفقيرة و المتوسطة، و التهديد بإنزال الجيش المصري ” ليبيد كل البيوت المبنية على أراضي الدولة” في موقف غاية في العنصرية و “الفرعنة” المقيتة ..فأراضي الدولة ليست ملك لسيسي او للجيش، و إنما هي ملك للشعب المصري، و نزعها من يد الشعب يقتضي جملة من الإجراءات و التدابير التي تراعي المصلحة العامة و الخاصة… فمصر تعيش أسوأ أيامها، تفريط في الأرض و السيادة الوطنية، وسفك الدماء و سجن المعارضين، و تدمير قرى ومدن بأكملها و تهجير أهلها ، وتبعية مهينة لأجندة صندوق النقد الدولي، وخضوع مهين لإرادة الإمارات و السعودية و الكيان الصهيوني..وغياب الديموقراطية و الحرية التي تم الحجر عليها بعد ما سمي بثورة 30 يونيو ، تمثل السبب الرئيسي في انحدار مصر و عدم استقرارها.. نتمنى أن تخرج مصر من كبوتها، فسياسة الحديد و النار والقبضة  الأمنية، و التضييق على حركة الشارع،  لايمكن ان تستمر طويلا، فمساحات الدعم الشعبي و الفئوي لنظام السيسي  تقلصت بشكل غير مسبوق ، بل إن ظلمه إمتد إلى الفئات الشعبية و الهيئات المختلفة التي دعمت و أيدت سياساته بشكل مطلق، لكن دوام الحال من المحال، و الاستمرار في الكذب و الخداع و إستحمار الشعب إلى ما لا نهاية أمر غير ممكن.. لذلك، فإننا نعبر عن تأييدنا لجهود الشعب المصري نحو إستعادة حريته و إرادته، فالحكم الديموقراطي و المدني هو العلاج لمشاكل و أزمات مصر ،فمصر منذ منتصف القرن 20 إلى اليوم  جربت كل من الناصرية و القومية و الاشتراكية، و انتقلت من الحكم الملكي إلى الحكم العسكري، لكنها لم تجرب الحكم الديمقراطي المدني إلا سنة واحدة، وكان ذلك في حكم الرئيس المدني محمد مرسي رحمه الله، و بالرغم من صعوبة الوضع العام خلال هذه السنة، استطاع هذا الرئيس أن يضع الأساس لسياسات و إستراتيجيات في غاية الفعالية، و من ذلك احترام حرية الإعلام و التعبير والاحتجاج… فالعودة إلى الحكم المدني و الاحتكام لصناديق الاقتراع هوالمدخل الوحيد لوقف نزيف التدهور الاقتصادي و الاجتماعي و الأمني في مصر السيسي، و أيضا هو الأمل الذي يراود أغلب الشعوب العربية من طنجة إلى جاكرتا، فتحرر الشعب المصري من الحكم الاستبدادي كفيل بتغيير كل الموازين الإقليمية و الدولية،  فعندما تسيقظ مصر من سباتها فإن العالم العربي سيتغير… و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. أنتلجنسيا المغربc 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك