تعليم / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:
"نحن لسنا إرهابيين نحن أساتذة نطالب بحقنا... أنا هو الإدماج" كانت هذه إحدى العبارات التي وردت في رد فعل الأستاذ المفروض عليه التعاقد "يحيى مويدا" وهو بين أيدي البوليس لحظة اعتقاله، لقد بدا الأستاذ الشاب في هيئة عملاق مفعم بالنخوة والشهامة بين معتقليه رغم نحافة جسمه، رد فعل في موقف حرج من هزيل مثله يذكر بقول "النعمان بن المنذر" في حق "ضمرة بن ضمرة الليثي": تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فلا عبرة في أن تكون ذا جثة مكتنزة وفوق كتفيك بالونة مبرمجة على إشباع الغريزة، وإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه...
أنا هو الإدماج أرسلها وسطر بها نموذجا مثاليا للإرادة الحرة والتماهي المطلق مع مطلبه المشروع
ويبقى الأستاذ يحيى واحدا من بين آلاف الأساتذة الذين أبانوا على أن معضلة التعاقد هي قضية شعبية ذات بعد وطني أكثر منها مطلبا خبزيا، حيث إن الأستاذ - كما لا يخفى على من فرض دسيسة التعاقد نفسه – هو الجسر الوحيد الذي تعبر به ومن خلاله الأمم نحو عوالم الترقي الإنساني، ومادام هذا الجسر هشا مفخخا بألغام التعاقد فسوف يظل الشعب المغربي خارج سياق الحضارة بكل تجلياتها...
فمعنى التعاقد هو أن تتملص الدولة من مسؤولياتها تجاه أطر التعليم.
معنى التعاقد هو كسر كبرياء المدرس داخل الوطن.
معنى التعاقد هو تبخيس شأن التعليم في البلاد مع سبق الإصرار.
معنى التعاقد هو خلق اضطراب في المنظومة التعليمة عبر تأزيم وضعية الأستاذ النفسية والاجتماعية لغايات مشبوهة.
معنى التعاقد هو ترك مصير أبناء صفوة البلاد على كف عفريت.
معنى التعاقد هو تكريس العبودية وتشييء العنصر البشري.
معنى التعاقد هو تشويه النموذج الأرقى في ذهنية الأجيال لصالح النموذج التافه.
معنى التعاقد هو التفريط في أسس الأمن المعرفي كمصلحة عليا للبلاد.
والحق يقال: ما كان لهذا الإذلال وجود لولا ذلة من وثق بهم الشعب من أجل تسيير البلاد،
فليس العيب في أن نفشل، ولكن العيب هو أن نتعمد تفويت فرص النجاح، الكل يعلم أن الحكومة الراهنة حالفها حظ لم يؤت أحدا من السابقين، الربيع العربي والحراك الشعبي وعزم المواطن المغربي على دفع ثمن التغيير، حيث يستحيل توقع الفشل في ما دام في صفك أهل البلد، وشرفك بتمثيلهم أهل البلد؛ والحال أن الشعب المغربي تعرض بالملموس لغدر سياسي قاتل بأبشع الأساليب.
كانت الطعنة الكبرى بخنجر الدين، لأن الدين في النفوس زرّ فعال تستمال به العاطفة الطاهرة لدى المواطن، وقد مسخت الصور المثالية التي قدمت للمغاربة قبيل الانتخابات إلى وحوش ضارية تنهش كبد المغاربة، ما الذي يمكن أن يحصل في الذهن عندما نشاهد شريطي فيديو متناقضين للسياسي نفسه؛ يدافع في الأول باستماتة عن المحتجين ويشجب تعرضهم للقمع من قبل رجال السلطة، ثم نراه في الثاني يبرر أسباب تعرض الطبقة نفسها من المحتجين للقمع، حربائية يسهل معها التواطؤ مع كل ألوان الجرائم، رأينا وما زلنا نرى كيف يتم طحن الإرادة الشعبية الطامحة إلى العيش الكريم، ولف الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد جزء من هذه الإرادة التي تحاول الدولة إخراسها بشتى الوسائل.
لم يبق من الماضي المطلسم سوى أدوات الجريمة: جئنا لمحاربة الفساد، تليها عبارة حق أريد بها باطل؛ "عفا الله عما سلف"؛ لرفع اللسان عن الجناة، أما تبرير عدم التوفيق في الإصلاح فقد أُعِدَّ له مشروع عبارة التماسيح والعفاريت، لإقناع المغاربة بما تحمله الكلمتان من دلالات عن رعب الغابة وأهوال وحوشها...
كان المواطن المغربي أمام مكر الساسة المسيرين على فطرة أبيه آدم عليه السلام؛ حين صدّق إبليس وأكل من الشجرة لأنه لم يكن يتوقع أن مخلوقا يقسم بالله على باطل، فكان من آثار النكبة الانتخابية ما آلت إليه أوضاع المواطن المغربي المادية والاجتماعية من ضنك عيش وقلة حيلة، وطفرة عكسية أجهزت على مكتسبات المغاربة المتعلقة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية...
المدرس اليوم أحد ضحايا تلك الجريمة النكراء، يسقط عليه قول الشاعر إبراهيم طوقان:
يامن يريد الانتحار وجدته +++ إن المعلم لا يعيش طويلا
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك