أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر
في عالم اليوم، يبدو أن فكرة السيادة الوطنية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لم تعد سوى شعارات براقة تُرفع في المناسبات الرسمية، بينما الحقيقة أكثر تعقيدًا وأقرب إلى ما يشبه شركة عملاقة محكمة التنظيم، يتحكم فيها عدد قليل من أصحاب النفوذ والسلطة، فيما بقية العالم ليسوا سوى عمالٍ وموظفين في هذه المنظومة، ينفذون الأوامر دون أن يكون لهم دور حقيقي في اتخاذ القرارات المصيرية. العالم ليس سوى شركة ضخمة لها مدير عام، ومجلس إدارة، ورؤساء أقسام، ومدراء فرعيون، وموظفون، بل وحتى خدم، وكل فرد منهم يؤدي دوره وفقًا لتعليمات دقيقة، لا خروج عنها إلا لمن يريد أن ينتهي به المطاف خارج اللعبة تمامًا.
في قمة الهرم، يوجد قادة الدول الكبرى، وأصحاب الشركات العابرة للقارات، والمجموعات المالية الضخمة، والبنوك المركزية، والمؤسسات العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. هؤلاء يشكلون مجلس الإدارة الحقيقي لهذا الكوكب، يجتمعون في منتديات مغلقة، مثل دافوس ومجموعة السبع ومجموعة العشرين، ويتخذون القرارات التي تحدد مسار الاقتصاد العالمي، والسياسات النقدية، وحتى الحروب والنزاعات التي تُخاض هنا وهناك. قراراتهم ليست مجرد ردود أفعال عشوائية، بل هي سياسات مدروسة بعناية تخدم مصالح هذه النخبة القليلة، وتضمن استمرار هيمنتهم على النظام العالمي.
أما الرؤساء والوزراء والمسؤولون الحكوميون في الدول المختلفة، فهم مجرد مدراء تنفيذيين يتولون تنفيذ التعليمات الصادرة من مجلس الإدارة. قد يظهرون في الإعلام كقادة مستقلين، لكن الحقيقة أنهم ملتزمون بأجندات محددة، وكل من يخرج عن هذا الخط يجد نفسه محاصرًا اقتصاديًا، أو مهددًا بانقلاب داخلي، أو في أسوأ الأحوال، يواجه تدخلاً عسكريًا مباشرًا بحجة "إعادة الديمقراطية" أو "حماية حقوق الإنسان". العالم شاهد على مصير العديد من القادة الذين حاولوا الخروج عن السيطرة، ليجدوا أنفسهم إما مقتولين، أو مخلوعين، أو مدانين بجرائم مفبركة تقضي على مستقبلهم السياسي.
المدراء الفرعيون والوكلاء، بدورهم، يتوزعون عبر المؤسسات الإقليمية والدولية، ويشرفون على تنفيذ السياسات المفروضة. هؤلاء قد يكونون ممثلين لمنظمات مثل الأمم المتحدة، أو مسؤولي البنوك المركزية، أو مدراء كبرى الشركات النفطية والتكنولوجية، أو حتى رؤساء وسائل الإعلام الكبرى التي تصنع الرأي العام بما يتناسب مع توجهات مجلس الإدارة العالمي. دورهم الأساسي هو ضمان سير العمليات بسلاسة، وإبقاء الموظفين في حالة انشغال دائم بالبحث عن لقمة العيش، حتى لا يكون لديهم وقت أو طاقة للتساؤل عن حقيقة من يحكم العالم فعليًا.
أما بقية سكان الأرض، فهم مجرد موظفين وعمال في هذه الشركة الكبرى، يُطلب منهم العمل، ودفع الضرائب، والخضوع للقرارات الاقتصادية التي تفرضها المؤسسات المالية، وتحمل الأزمات الناتجة عن حروب لم يختاروها، وركود اقتصادي لا يد لهم فيه، وتضخم يسرق أموالهم، في حين تستمر أرباح الشركات الكبرى في الصعود، وتزداد ثروات الأغنياء على حساب الفقراء. هؤلاء العمال – أي الشعوب – يُمنحون بين الحين والآخر جرعات من الأمل عبر الانتخابات الديمقراطية التي لا تغير شيئًا جوهريًا، أو عبر الحملات الإعلامية التي تصور بعض المسؤولين كمُنقذين، بينما هم في الحقيقة مجرد منفذين لتوجيهات المدير العام ومجلس الإدارة العالمي.
وبالطبع، لا تكتمل أي شركة بدون خدم، وهم في هذه المعادلة الشعوب الأضعف، الدول الفقيرة التي تحولت إلى مستعمرات اقتصادية تخضع لنظام العبودية الحديثة، حيث يُفرض عليها الاقتراض من المؤسسات المالية الكبرى، ويتم تدمير اقتصاداتها المحلية تحت مسمى "الإصلاحات"، لتبقى في حالة تبعية دائمة لا فكاك منها. هذه الدول لا تملك أي سيادة حقيقية، ورؤساؤها مجرد بيادق يتحركون وفقًا لأوامر مجلس الإدارة العالمي، وإلا فإن مصيرهم معروف مسبقًا.
المفارقة أن كثيرًا من الناس لا يدركون هذه الحقيقة، أو ربما يفضلون تجاهلها لأن مواجهتها تعني الاعتراف بأن حياتهم محكومة بقوى لا يرونها ولا يتحكمون بها. يظنون أن بإمكانهم التأثير على السياسات الكبرى عبر الانتخابات، أو الاحتجاجات، أو من خلال الانخراط في العمل السياسي، لكن الحقيقة هي أن اللعبة محكمة التنظيم، ومن يخرج عن المسار المرسوم يجد نفسه محاصرًا بكل الوسائل الممكنة، بدءًا من الحصار الاقتصادي، مرورًا بحملات التشويه الإعلامي، وصولًا إلى الانقلابات والثورات المصطنعة التي تُطيح به في لحظة.
في النهاية، العالم ليس كما يبدو في الأخبار والتقارير الرسمية، وليس كما تروجه الحكومات لشعوبها. إنه شركة عملاقة، يديرها عدد قليل من الأشخاص الذين يتحكمون في السياسة والاقتصاد والإعلام، فيما البقية ليسوا سوى تروس صغيرة في آلة ضخمة لا تتوقف عن الدوران. وأي محاولة للخروج عن هذا النظام تعني مواجهة قوى لا ترحم، لأن من يديرون هذه الشركة العالمية لا يسمحون لأحد بتهديد مصالحهم، وأي كلام عن سيادة الشعوب أو عدالة النظام الدولي ليس سوى "تغميس خارج الصحن"! حسب تعبير الإعلامي بقناة الجزيرة القطرية فيصل القاسم.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك