أنتلجنسيا المغرب:أبو جاسر
أثار غياب ما يزيد عن 74 بالمائة من النواب، يوم الأربعاء 05 فبراير الجاري، أثناء جلسة مجلس النواب التي كانت مخصصة للتصويت على مشروع القانون التنظيمي للإضراب، من خلال قراءة ثانية، (أثار) جدلا واسعا في صفوف المختصين والمتتبعين للشأن السياسي بالمغرب.
تصويت مصيري بتمثيلية غائبة
في مشهد برلماني يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى جدية التمثيل النيابي في المغرب، صادق مجلس النواب، في إطار قراءة ثانية، على مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وذلك في غياب ما يناهز 74% من النواب عن الجلسة، مما يعكس ضعف الحضور في واحدة من أهم المحطات التشريعية التي تمس حقوق الشغيلة المغربية.
تمرير القانون بأغلبية "شكلية"
رغم أن القانون حظي بموافقة الأغلبية الحاضرة، إلا أن نسبة الغياب المهولة جعلت من عملية التصويت مسألة شكلية أكثر منها ديمقراطية فعلية. فكيف يُعقل أن يتم التصويت على قانون يُنظّم حقًا دستوريا بحضور أقل من ربع النواب؟ هذه الوضعية تعيد إلى الواجهة النقاش حول مدى التزام البرلمانيين بأدوارهم التشريعية والرقابية، ومدى احترامهم للتمثيلية الشعبية التي خُوّلت لهم عبر صناديق الاقتراع.
نقابات غاضبة ومعارضة ساخطة
لم تمر هذه الجلسة مرور الكرام، حيث اعتبرت أكبر المركزيات النقابية أن تمرير هذا القانون في ظل غياب مناقشة واسعة مع الفرقاء الاجتماعيين يعد ضربة موجعة للحوار الاجتماعي. من جهتها، وصفت المعارضة الغياب الجماعي للنواب بأنه "استهتار غير مسبوق" و*"إجهاز على المؤسسات التمثيلية"*، معتبرة أن هذا القانون يستهدف بشكل مباشر مكتسبات الطبقة العاملة ويحدّ من حق الإضراب الذي يعتبر سلاحًا نقابيًا أساسيًا للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
محتوى القانون... قيود جديدة على الإضراب؟
يهدف مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 إلى ضبط شروط ممارسة حق الإضراب، عبر فرض إجراءات تنظيمية تهمّ إعلام المشغل مسبقًا بفترة الإضراب، وضمان حد أدنى من الخدمات في بعض القطاعات، وفرض عقوبات على الإضرابات "غير القانونية". إلا أن النقابات ترى في هذه المقتضيات تضييقًا ممنهجًا على هذا الحق، معتبرة أن الحكومة انحازت بشكل واضح لمطالب الباطرونا، بدل تحقيق توازن عادل بين حقوق العمال ومصالح المشغلين.
هل البرلمان فاقد للشرعية السياسية؟
غياب 74% من النواب عن التصويت على هذا القانون ليس حدثًا معزولًا، بل يعكس ظاهرة متكررة في الحياة البرلمانية المغربية، حيث تشهد جلسات تشريعية حاسمة حضورًا ضعيفًا جدًا لنواب الأمة. هذه الظاهرة تطرح تساؤلات عميقة حول مدى التزام البرلمانيين بمهامهم، وهل البرلمان لا يزال يعكس الإرادة الشعبية الحقيقية أم أنه أصبح مجرد غرفة للمصادقة الشكلية على مشاريع قوانين جاهزة؟
تداعيات سياسية على الحكومة والبرلمان
يضع هذا الغياب المحرج الحكومة في موقف حرج، حيث سيعزز من الخطاب القائل بأن السلطة التشريعية ليست سوى امتداد لقرارات الحكومة، بدل أن تكون مؤسسة تمارس الرقابة الفعلية على القوانين. كما أنه سيؤثر على صورة البرلمان أمام الرأي العام، خصوصًا مع اقتراب انتخابات 2026، حيث قد يفقد الناخبون الثقة في مؤسسة لم يكن ممثلوها حاضرون عند التصويت على قانون يمس قوتهم اليومي وحقوقهم الأساسية.
هل يعيد البرلمان حساباته؟
بعد هذا الجدل، تتزايد الدعوات لتفعيل إجراءات أكثر صرامة لضمان حضور النواب في الجلسات، بما في ذلك نشر لوائح الغياب علنًا، وفرض اقتطاعات مالية من تعويضات البرلمانيين المتغيبين بدون مبرر. فهل يتحرك البرلمان نحو استعادة شرعيته السياسية، أم أن جلسات "الأشباح" ستظل عنوانًا بارزًا للحياة التشريعية في المغرب؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك