أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
مع نهاية سنة 2024، لا يزال المواطن المغربي يواجه تحديًا كبيرًا في ميزانيته اليومية بسبب ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، التي بقيت عصية على الانخفاض رغم التقارير التي تفيد بتراجع أثمنة الجملة بما يصل إلى 7 دراهم للكيلوغرام، وفقًا لمصادر مهنية مطلعة.
هذا التناقض أثار تساؤلات واسعة، حول أسباب استمرار ارتفاع الأسعار في الأسواق، وتأثيرها على القدرة الشرائية للأسر المغربية.
تراجع أثمنة الجملة:واقع لا ينعكس على المستهلك
بحسب المهنيين العاملين في قطاع اللحوم، فإن أثمنة الجملة شهدت انخفاضًا ملحوظًا في الأسابيع الأخيرة، نتيجة زيادة العرض وتراجع أسعار العلف نسبيًا بعد موسم زراعي متوسط. ورغم هذا الانخفاض، فإن أسعار التجزئة في الأسواق والمجازر بقيت مرتفعة، مما أثار شكاوى المواطنين وتساؤلاتهم عن المستفيد الحقيقي من هذا الوضع.
يُرجع المهنيون هذا التباين إلى سلسلة التكاليف التي تُضاف على اللحوم قبل وصولها إلى المستهلك. تشمل هذه التكاليف النقل، التخزين، التوزيع، وهامش الربح الكبير الذي يفرضه الوسطاء. ورغم انخفاض الأسعار في أسواق الجملة، إلا أن هذه الفوائد لا تنتقل بشكل كامل إلى المستهلك بسبب هيمنة الوسطاء على السوق.
هيمنة الوسطاء وسلسلة التوزيع
تشكل سلسلة التوزيع المعقدة واحدة من أبرز العقبات التي تواجه تحقيق توازن في أسعار اللحوم بالمغرب. فبين المنتج (الكساب) والمستهلك النهائي، تمر اللحوم عبر سلسلة طويلة من الوسطاء، كل منهم يضيف هامش ربح خاص به. وأدى هذا الوضع إلى تشوه هيكل السوق وجعل الأسعار النهائية مرتفعة بشكل يفوق قدرة الأسر المتوسطة على التحمل.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن غياب المراقبة الصارمة للسوق وافتقار القطاع إلى إطار تنظيمي يحد من الممارسات الاحتكارية قد ساهم في تفاقم الوضع، ما يضع ضغطًا على الحكومة للتدخل العاجل.
ارتفاع الطلب وانخفاض العرض المحلي
رغم استيراد الحكومة لكميات كبيرة من رؤوس الأبقار الحية لتغطية الطلب المتزايد، لا يزال العرض المحلي يعاني من تبعات الجفاف وارتفاع تكاليف الإنتاج، مما أثر على توازن السوق. ويعاني الكسابون من تكاليف العلف التي رغم انخفاضها لم تصل إلى مستويات مشجعة، إلى جانب محدودية الدعم الحكومي الموجه للقطاع.
انعكاس الأزمة على المواطن
مع استمرار ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، يجد المواطن المغربي نفسه أمام خيارات صعبة. فالأسر ذات الدخل المتوسط والمحدود تلجأ إلى تقليص استهلاك اللحوم أو البحث عن بدائل أقل تكلفة، مثل الدواجن والأسماك، لتلبية احتياجاتها الغذائية.
ويُعد هذا الوضع مؤشرًا على أزمة أعمق تتعلق بالقدرة الشرائية في المغرب، حيث تعاني الأسر من ضغوط متزايدة بفعل ارتفاع أسعار المواد الأساسية الأخرى مثل الحبوب والزيوت.
دور الحكومة والإجراءات المنتظرة
ورغم الجهود التي بذلتها الحكومة، مثل الإعفاء الجمركي لاستيراد الأبقار، إلا أن هذه التدابير لم تنجح بشكل كافٍ في خفض الأسعار. ويدعو خبراء القطاع إلى ضرورة تعزيز الدعم المباشر للكسابة ومراقبة سلاسل التوزيع بشكل أكثر صرامة، فضلًا عن تقديم حوافز للإنتاج المحلي.
ويؤكد المهنيون أن تطوير أسواق نموذجية لتوزيع اللحوم، والحد من تأثير الوسطاء عبر الرقابة الفعالة، يمكن أن يساهم في خفض الأسعار ويحقق توازنًا بين المنتج والمستهلك.
مستقبل السوق في 2025
مع اقتراب عام 2025، يبقى التساؤل قائمًا: هل ستنجح الحكومة والقطاع الخاص في إيجاد حلول مستدامة لتقلبات سوق اللحوم؟ أم أن المواطن المغربي سيظل رهين الارتفاع المستمر للأسعار؟
الإجابة تعتمد على مدى قدرة الفاعلين في القطاع على تجاوز التحديات الحالية ووضع استراتيجيات تعزز الشفافية وتضمن استفادة الجميع من انخفاض أسعار الجملة، وصولًا إلى تحقيق عدالة اقتصادية واجتماعية تلبي تطلعات المواطنين.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك