أنتلجنسيا المغرب:الرباط
يواصل المغرب تعزيز قدراته الدفاعية من خلال تحديث ترسانته العسكرية بعقود تسليح جديدة مع موردين عالميين. وفي هذا الإطار، كشفت صحيفة "لا تريبيون" الفرنسية أن المملكة قررت التعاقد على 36 مدفعاً ذاتي الدفع من طراز ATMOS 2000 من شركة Elbit Systems الإسرائيلية، بدلاً من مدافع "القيصر" الفرنسية التي كانت خياراً مطروحاً في السابق. هذا القرار يأتي في سياق توجه الرباط لتنويع شركائها في المجال العسكري وتقليل الاعتماد على المزودين التقليديين مثل فرنسا، في ظل توترات دبلوماسية بين البلدين.
لماذا ATMOS 2000 بدلاً من "القيصر" الفرنسية؟
يعد مدفع ATMOS 2000 واحداً من أكثر أنظمة المدفعية ذاتية الدفع تطوراً، حيث يجمع بين القوة النارية العالية والتنقل السريع، ما يمنحه ميزة كبيرة في العمليات الميدانية. يبلغ عيار هذا المدفع 155 ملم ويتميز بمدى ناري يصل إلى 40 كيلومتراً باستخدام القذائف القياسية، ويمكن أن يتجاوز 56 كيلومتراً مع الذخائر بعيدة المدى. كما أن قدرته على الإطلاق تصل إلى 6 قذائف في الدقيقة، وهو ما يعزز فعاليته في ساحة المعركة.
مقارنة بمدفع "القيصر" الفرنسي، يتمتع ATMOS 2000 بمزايا تشغيلية أفضل، خصوصاً من حيث الكفاءة القتالية وسهولة الصيانة والتكامل مع الأنظمة القتالية الحديثة. كما أن تعاقد المغرب مع Elbit Systems يمنحه امتيازات أخرى، مثل نقل التكنولوجيا وتعزيز التصنيع العسكري المحلي، وهي نقطة لم تكن متاحة في الصفقة الفرنسية.
الرهانات العسكرية للمغرب.. تحديث شامل للمدفعية
قرار المغرب بشراء 36 مدفع ATMOS 2000 يأتي في إطار استراتيجية شاملة لتحديث سلاح المدفعية الملكية المغربية. خلال السنوات الأخيرة، أظهر المغرب اهتماماً متزايداً بالأسلحة ذاتية الدفع التي تمنحه قدرة أكبر على المناورة وسرعة الاستجابة في مختلف السيناريوهات القتالية. ويهدف هذا التحديث إلى تعزيز جاهزية القوات المسلحة المغربية لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة، سواء في الصحراء المغربية أو على حدوده الشرقية.
في هذا السياق، لم يكن مدفع ATMOS 2000 هو الصفقة الوحيدة التي أبرمها المغرب لتطوير ترسانته المدفعية، إذ سبق أن تعاقد على راجمات صواريخ صينية وأمريكية، بالإضافة إلى أنظمة دفاع جوي متطورة. كما أن الرباط تعمل بشكل متسارع على تعزيز قدرات سلاح المدفعية من خلال اقتناء أنظمة صواريخ بعيدة المدى، ما يشير إلى توجه نحو بناء قوة نارية قادرة على التعامل مع مختلف التهديدات.
رسائل سياسية وعسكرية وراء الصفقة
قرار استبدال المدفع الفرنسي ببديل إسرائيلي لا يخلو من دلالات سياسية. فقد شهدت العلاقات المغربية الفرنسية في السنوات الأخيرة توتراً ملحوظاً، بسبب عدة ملفات، من بينها موقف باريس غير الواضح من قضية الصحراء المغربية، إضافة إلى تراجع التعاون الدفاعي بين البلدين. في المقابل، أصبحت إسرائيل شريكاً استراتيجياً رئيسياً للمغرب في المجال العسكري، حيث وقّع الطرفان عدة اتفاقيات دفاعية تشمل مجالات الطيران، الأمن السيبراني، وتصنيع الأسلحة.
وبالتالي، فإن هذه الصفقة ليست مجرد عملية شراء عسكرية، بل هي رسالة واضحة بأن المغرب يسعى إلى تنويع مصادر تسليحه وتعزيز استقلالية قراراته العسكرية، بعيداً عن الضغوط التقليدية التي كان يمارسها بعض الحلفاء التقليديين.
المغرب.. نحو قوة إقليمية صاعدة
من خلال هذه الصفقة وغيرها من العقود العسكرية الضخمة، يؤكد المغرب طموحه ليصبح قوة إقليمية عسكرية متطورة. فإلى جانب تحديث سلاح المدفعية، يعمل المغرب على تطوير مختلف أفرع قواته المسلحة، حيث شهدت السنوات الأخيرة توقيع صفقات ضخمة لشراء مقاتلات F-16 المحدثة، ودبابات أبرامز، وأنظمة دفاع جوي باتريوت، وطائرات بيرقدار المسيرة. كما يراهن المغرب على توطين الصناعات العسكرية عبر مشاريع مشتركة مع عدة دول، وهو ما يعزز قدرته على تحقيق اكتفاء ذاتي نسبي في مجال الدفاع.
يعد تعاقد المغرب على 36 مدفع ATMOS 2000 خطوة جديدة في مسار التحديث العسكري الذي ينتهجه لتعزيز قدراته الدفاعية. هذه الصفقة لا تعكس فقط تحولاً في خيارات التسليح المغربية، ولكنها تعبر أيضاً عن توجه استراتيجي جديد نحو تنويع الشراكات العسكرية والاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة، في ظل التحديات الإقليمية المتصاعدة. ومع استمرار هذا النهج، فإن القوات المسلحة المغربية تضع نفسها على طريق التحول إلى قوة عسكرية أكثر تطوراً واستقلالية، قادرة على تأمين مصالح المملكة وحماية حدودها بكل فاعلية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك