أنتلجنسيا المغرب:هيئة التحرير
رمضان ليس مجرد شهر للصيام عن الطعام
والشراب، بل هو محطة روحية عظيمة تحتاج إلى سلوكيات نقية وأفعال تحفظ للصائم نوره
وبركته. لكن للأسف، هناك بعض الأقوال والأفعال التي قد تفرغ الصيام من معناه
الحقيقي، وتجعله مجرد امتناع عن الأكل دون أي أثر إيماني أو روحاني. فكيف نحافظ
على وهج رمضان ونحمي أنفسنا من الوقوع في المحظورات التي قد تُفسد الصيام دون أن
نشعر؟
أول ما يجب الحذر منه هو الغيبة
والنميمة، فكثيرون يظنون أن الصيام يعني فقط الامتناع عن الطعام، بينما ألسنتهم لا
تتوقف عن ذكر الآخرين بسوء. والرسول الكريم نبّه إلى أن من لم يدع قول الزور
والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، فكيف يكون الصائم في حالة عبادة
بينما لسانه ينهش في أعراض الناس؟
الكذب والخداع أيضًا من الأمور التي
تُذهب ببركة الصيام، فالصدق قيمة أساسية في الإسلام، وفي رمضان يُختبر الإنسان في
مدى التزامه بها. بعض الناس يستهينون بالكذب في البيع والشراء أو في الأحاديث
اليومية، ولكن هل يدركون أنهم بذلك يضعفون أثر صيامهم في نفوسهم؟ رمضان فرصة
لتطهير اللسان كما هو فرصة لتطهير الجسد.
ومن أخطر ما يقع فيه البعض في رمضان،
هو التهاون في أداء الصلوات، فكيف يكون الصائم على جوع وعطش طوال اليوم ثم يتكاسل
عن الوقوف بين يدي الله لأداء الفريضة؟ بعضهم يسهرون ليلًا أمام الشاشات ثم تفوتهم
صلاة الفجر، وكأن الصيام منفصل عن بقية العبادات، مع أنه تدريب على التقوى في كل
جوانب الحياة.
مشاحنات الغضب والجدال العقيم أيضًا
تفسد أجواء رمضان، فبعض الصائمين يصبحون أكثر توترًا وعصبية، حتى أنهم يبررون
انفعالهم بكونهم صائمين! والحقيقة أن الصيام ليس ذريعة للغضب، بل هو تمرين على ضبط
النفس وكبح الشهوات، ولذلك كان النبي إذا غضب أحد أمامه وهو صائم، يقول: "إني
صائم"، ليؤكد أن رمضان مدرسة للصبر وليس ساحة للشجار.
الانشغال بالمظاهر وإغفال الجوهر من
الأخطاء التي يقع فيها كثيرون، فالبعض يهتم بالمأكولات والمشروبات أكثر من اهتمامه
بالعبادات، فيصبح تركيزه على الموائد العامرة بدلاً من أن يكون تركيزه على القرب
من الله. لا أحد يمنع التجهيز للأكل، ولكن حين يصبح الأمر مبالغة لحد الإسراف،
فإنه يتحول إلى مشكلة تفقد رمضان روحه الحقيقية.
السهر على أمور غير نافعة، مثل متابعة
المسلسلات أو قضاء الليل في الأحاديث الفارغة، من أكثر ما يُضعف إيمان الصائم،
فرمضان ليس فرصة لتمضية الوقت، بل هو موسم للعبادة ومحاسبة النفس. كثيرون يندمون
بعد رمضان على أنهم لم يستغلوه كما يجب، فلماذا لا نحسن استغلاله من البداية؟
التباهي بالأعمال الصالحة وتحويل
العبادة إلى وسيلة للاستعراض أمام الناس من الأمور التي تُذهب أجر الصيام. البعض
يُكثرون من نشر صورهم وهم يوزعون الصدقات أو يؤدون العبادات، فيتحول العمل من
إخلاص لله إلى مجرد عرض اجتماعي. والرياء خطر على القلوب، لأنه يحرم الإنسان لذة
الإيمان الصادق.
الغياب عن الأسرة والانشغال المفرط
بالمناسبات والولائم، بحيث يصبح الإنسان بعيدًا عن أهله وأبنائه طوال رمضان، من
الأمور التي تضعف روح الشهر الكريم. رمضان فرصة لتقوية الروابط الأسرية
والاجتماعية، وليس شهرًا لتبادل الدعوات الفاخرة التي تُنسي الناس جوهره الحقيقي.
وأخيرًا، من أخطر ما قد يُضعف أثر
الصيام هو فقدان النية الصادقة والهدف من الصيام نفسه. البعض يصوم لأنه اعتاد على
الصيام، وليس لأنه يطلب التقوى والقرب من الله. النية هي روح العبادة، ومن لا
يستشعر عظمة الصيام وقيمته الروحية، فإنه قد يصوم ببدنه، لكن روحه تبقى بعيدة عن
بركات هذا الشهر العظيم.
فلنجعل رمضان فرصة حقيقية لمراجعة
أنفسنا، ولنجتهد في الابتعاد عن كل ما قد يُذهب بريقه من أيدينا، فليس كل صائم نال
أجر الصيام، وليس كل جائع أصبح قريبًا من الله، ولكن فقط من صام بروحه وجوارحه
معًا هو من يستحق بركة هذا الشهر الكريم.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك