أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا
في أعقاب الكارثة الطبيعية التي ضربت قلب الأطلس الكبير، شكلت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان لجنة لتقصي الحقائق حول واقع المتضررين من زلزال الحوز، محاولة رصد ما جرى بعد أن انطفأت أضواء الكاميرات، وغابت الوعود التي انهالت مع الأيام الأولى للمأساة. اللجنة لم تكتف بنقل الشهادات بل نزلت إلى الميدان، وحاورت الضحايا وواجهت السلطات المحلية، واضعة يدها على جراح ما تزال تنزف حتى اليوم.
اللجنة تبنت منهجية دقيقة تنبني على النزاهة والحياد، وجعلت من الميدان مصدرها الأول للمعلومة. لم تكتف بما توفره السلطات من معطيات، بل شقت طرق الدواوير الوعرة، لتصل إلى المخيمات التي كانت، حتى لحظة كتابة التقرير، شاهدا على واقع مرير يعيشه الآلاف تحت خيام مهترئة، تفتقد لأبسط مقومات العيش الكريم.
استند
التقرير على شهادات السكان الذين حرموا من الدعم رغم استيفائهم للشروط، وعلى مشاهد
حية لقرى مدمرة لازالت في عداد المنسيين. لجنة التقصي جمعت مئات الإفادات،
ومعاينات بالصوت والصورة، وأكدت أن أوجه الحيف لم تكن حالات معزولة بل نمطًا
ممنهجًا طال شريحة واسعة من المتضررين، في انتهاك واضح للعدالة الاجتماعية والحق
في الإنصاف.
لم يمر عمل
اللجنة دون أن يواجه عراقيل وضغوط، إذ أن بعض السلطات المحلية تعاملت معها بتحفظ،
وحاولت تقييد تحركاتها، ما كشف جانبا آخر من الأزمة وهو غياب الشفافية، ومحاولة
بعض الأطراف طمس الحقائق وإبقاء الضحايا في دائرة التهميش والنسيان.
التقرير أبرز
أيضا أن معاناة المتضررين لم تقتصر على الخيام والمأوى الموقت، بل امتدت إلى
حرمانهم من الولوج إلى الخدمات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية، بل وتكبد بعضهم
خسائر اقتصادية فادحة دون أي تعويض أو مواكبة، مما ضاعف من آلامهم وفاقم هشاشتهم
الاجتماعية والاقتصادية.
بالمقابل،
قدم التقرير معطيات دقيقة عن حجم التلاعبات التي شابت لوائح المستفيدين من الدعم،
حيث تسللت أسماء غير متضررة استفادت من المساعدات على حساب الضحايا الحقيقيين، في
مشهد يعيد إلى الأذهان الممارسات الزبونية والمحسوبية التي طالما نخرَتْ برامج
الإغاثة في لحظات الأزمات الكبرى.
لم تغفل
اللجنة الإشارة إلى الاحتجاجات الغاضبة التي اندلعت في مختلف مناطق الحوز، والتي
كانت التعبير الطبيعي عن إحساس الساكنة بالحيف وغياب العدالة، احتجاجات واجهتها
السلطات أحيانا بالتجاهل وأحيانا أخرى بالاعتقالات والمحاكمات، في محاولات يائسة
لإسكات أصوات المطالبة بالحق.
من جهة أخرى،
أشار التقرير إلى أن التدخلات الرسمية، وإن كانت قد بدأت بحماس عقب الكارثة، إلا
أنها سرعان ما دخلت في دوامة البطء والتعثر والارتجال، حيث بقيت العديد من
الالتزامات حبرا على ورق، ما أدى إلى تعميق جراح المتضررين، وخلق شعور عارم بفقدان
الثقة بين المواطن والدولة.
ختم التقرير
توصياته بضرورة مراجعة شاملة لطريقة تدبير الكوارث الطبيعية بالمغرب، داعيا إلى
تبني مقاربة حقوقية تجعل من الضحايا شركاء حقيقيين في إعادة البناء، لا مجرد أرقام
في تقارير رسمية، كما نبه إلى خطورة تكرار مثل هذه الاختلالات في المستقبل إذا لم
تتم محاسبة المتورطين وإنصاف المتضررين بما يحفظ كرامتهم ويعيد لهم الأمل في حياة
أفضل.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك