أنتلجنسيا المغرب:لبنى مطرفي
في سابقة تاريخية غير معهودة، أعلنت الجماهير العريضة لناديي الوداد والرجاء البيضاويين، عبر مجموعات "الإلتراس" المساندة للفريقين، قرارها الموحد بمقاطعة مباراة الديربي المقبلة، احتجاجا على ما وصفته بـ"الوضع الكارثي الذي آل إليه حال كرة القدم الوطنية"، وتنديدا بما اعتبرته استهتارا بمشاعر الجمهور الرياضي وغياب الإصلاح الحقيقي داخل المنظومة الكروية.
هذا القرار الصادم، الذي نزل كزلزال في الأوساط الرياضية، يأتي ليكرس لحظة استثنائية من الوحدة بين جماهير كانت إلى وقت قريب في صراع دائم داخل المدرجات، حيث انحصر التنافس بين اللونين الأحمر والأخضر لسنوات طويلة في إطار من الحماس، لكنه أيضا لم يخلُ من التوتر والاصطدامات. اليوم، وعلى عكس كل التوقعات، تنصهر أصوات الجماهير في موقف موحد يرفع شعار "الكرامة أولاً"، في إشارة إلى رفضهم الاستمرار في دعم منتوج كروي يقولون إنه فقد كل مقومات الشفافية والتنافس النزيه.
وفي بيان مشترك نشرته مجموعة "وينرز" المساندة للوداد، و"إيغلز" و"غرين بويز" التابعتان للرجاء، تم التأكيد على أن المقاطعة لا تستهدف الفريقين في حد ذاتهما، بل هي رسالة صريحة موجهة إلى المسؤولين عن القطاع الرياضي في البلاد، الذين لم يستوعبوا بعد - بحسب البيان - أن المشجعين هم القلب النابض للعبة، وأن استمرار تجاهلهم يعني انحدارًا لا محالة للكرة المغربية إلى مستويات خطيرة من التراجع والانفصال عن جماهيرها.
البيان ذاته لم يخلُ من نبرة غضب حاد، حيث أشار إلى أن تدهور جودة التسيير، وتكرار "القرارات التحكيمية المثيرة للشكوك"، والتضييق على الجماهير في الملاعب، كلها عوامل فجرت هذا القرار الذي وصفوه بـ"التاريخي". وعبّرت المجموعات الموقعة عن أسفها للجوء إلى هذا الشكل الاحتجاجي، لكنها شددت على أنه بات ضروريًا لإيقاظ الضمائر، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من صورة الدوري الوطني، الذي صار - حسب وصفهم - "ساحة عبث لا تعكس طموحات الشعب المغربي ولا مستوى استثمارات الدولة في الرياضة".
ردود الأفعال كانت سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّر آلاف المشجعين من مختلف المدن عن تضامنهم مع الخطوة، واعتبروها لحظة وعي جماهيري تؤسس لمرحلة جديدة من الرقابة الشعبية على الشأن الرياضي. بل إن بعض الأصوات طالبت بتوسيع رقعة المقاطعة لتشمل مباريات أخرى، معتبرين أن الرسالة يجب أن تكون قوية بما يكفي لفرض التغيير من الداخل.
من جهتها، لم تصدر بعد أية تعليقات رسمية من إدارة ناديي الوداد أو الرجاء، كما لم يخرج أي بلاغ من الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم حول الخطوة المفاجئة، في وقت بدأت فيه التساؤلات تتصاعد حول مآل الديربي المنتظر، الذي لطالما كان مناسبة رياضية وطنية ذات زخم جماهيري استثنائي.
مقاطعة الديربي من طرف الجمهورين الأقوى في المغرب ليست مجرد قرار احتجاجي عابر، بل تعبير واضح عن تراجع الثقة بين الجمهور والمؤسسات الرياضية. إنه جرس إنذار صارخ، قد يعيد رسم العلاقة بين المشجع واللعبة، ويضغط في اتجاه إصلاحات حقيقية، وإلا فإن شغف الملايين قد يتحول إلى صمت قاتل، أخطر بكثير من أي هزيمة في الميدان.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك