أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر
تُواجه القمة العربية الطارئة، التي كان من المقرر انعقادها في 27 فبراير الجاري بالقاهرة، احتمال التأجيل إلى موعد آخر لأسباب تتعلق بجداول القادة المشاركين.
هذا الإعلان جاء على لسان نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية، حسام زكي، الذي أكد أن مصر حريصة على حضور أكبر عدد ممكن من القادة لضمان نجاح القمة وتحقيق توافق عربي شامل حول القضية الفلسطينية.
ورغم التأكيد على أن الأسباب وراء أي تأجيل محتمل هي لوجستية بحتة، إلا أن هذا القرار يثير تساؤلات حول قدرة العرب على تجاوز الحسابات الضيقة واتخاذ موقف موحد، في ظل المستجدات المتسارعة التي تعيشها القضية الفلسطينية.
القمة الطارئة تأتي في وقت حساس للغاية، حيث تتزايد الضغوط الإسرائيلية لإخلاء قطاع غزة عبر مخططات التهجير القسري، وهو السيناريو الذي حذرت منه عدة أطراف دولية وإقليمية، لكن سرعان ما تبنته الإدارة الأمريكية بشكل غير مباشر عبر إشارات غامضة حول مستقبل القطاع.
فالوضع المتفجر في غزة يتطلب موقفًا عربيًا صارمًا يرفض هذه المخططات ويؤكد على حق الفلسطينيين في البقاء في أرضهم وإدارة شؤونهم بعيدًا عن أي تدخلات خارجية.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيكتفي القادة العرب ببيان ختامي تقليدي أم ستكون هناك خطوات عملية على الأرض لمواجهة هذا المخطط؟
إحدى القضايا الرئيسية التي ستكون مطروحة خلال القمة تتعلق بإعادة إعمار غزة، وهي مسألة أصبحت أكثر تعقيدًا مع استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع، مما جعل الحاجة إلى حلول مستدامة أمرًا ضروريًا.
ومن بين الأفكار التي طرحتها مصر، هناك مقترح يعتمد على تشغيل القوة العاملة الفلسطينية في إعادة الإعمار، وهو مقترح يهدف إلى تمكين سكان غزة اقتصاديًا ومنع أي نزوح قسري قد تفرضه الظروف الميدانية.
هذا المقترح يحظى بترحيب من أطراف فلسطينية عدة، لكنه يواجه تحديات على المستوى التنفيذي، خاصة في ظل استمرار القصف الإسرائيلي وتدمير البنية التحتية.
الموقف العربي الموحد الذي سيتمخض عن القمة سيكون بمثابة اختبار حقيقي للولايات المتحدة، التي لم تحدد بعد موقفًا واضحًا من مستقبل غزة.
فهل الهدف الحقيقي لما يجري حاليًا هو الضغط على الفلسطينيين للقبول بإعادة التفاوض حول الحكم في القطاع، أم أن المخطط الإسرائيلي يسير باتجاه فرض أمر واقع جديد يضمن إما السيطرة المباشرة أو إخلاء القطاع بالكامل؟
فتصريحات حسام زكي تشير إلى أن الجانب الإسرائيلي يضع ثلاثة خيارات رئيسية: إما أن يحكم غزة بنفسه، أو أن يفرض جهة موالية له لإدارة القطاع، أو أن يدفع باتجاه تفريغ غزة من سكانها.
وجميع هذه السيناريوهات مرفوضة فلسطينيًا وعربيًا، لكن الرفض وحده لا يكفي، بل يجب أن يكون هناك تحرك عملي لمواجهة هذه المخططات ومنعها من أن تصبح أمرًا واقعًا.
أحد المقترحات التي يتم تداولها في الأوساط العربية هو تشكيل لجنة إسناد مجتمعي لإدارة القطاع، وهو طرح يعكس رؤية مصرية تسعى إلى تعزيز استقلالية الفلسطينيين في إدارة شؤونهم، بعيدًا عن أي حلول مفروضة من الخارج.
ولكن نجاح هذا المقترح يعتمد بالأساس على وجود توافق فلسطيني داخلي، وهو أمر لا يزال معقدًا في ظل الانقسامات السياسية المستمرة.
كما أن أي محاولة لإعادة إعمار غزة لن تنجح إلا إذا ترافقت مع ضمانات أمنية تمنع تكرار العدوان الإسرائيلي وتدمير ما يتم بناؤه، وهو ما يتطلب ضغطًا عربيًا موحدًا على المستوى الدولي.
القمة العربية في القاهرة، إذا ما عُقدت في موعدها أو في تاريخ لاحق، ستكشف عن مدى جدية القادة العرب في التعامل مع واحدة من أخطر المراحل التي تمر بها القضية الفلسطينية.
هل ستكون هناك قرارات حاسمة تتجاوز البيانات الدبلوماسية التقليدية، أم أننا سنشهد مجرد اجتماع آخر ينتهي بتوصيات غير ملزمة سرعان ما يتم تجاهلها مع استمرار التصعيد الإسرائيلي؟.
الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد المسار الذي ستأخذه هذه القمة، وما إذا كانت ستمثل نقطة تحول في الموقف العربي، أم أنها ستنضم إلى سلسلة الاجتماعات السابقة التي لم تغير شيئًا من الواقع المأساوي الذي يعيشه الفلسطينيون.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك