أنتلجنسيا المغرب:أبو فراس
في تحول لافت وغير مسبوق، بات الإعلام السعودي يشن هجومًا حادًا على إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، واصفًا إياه بـ*"المجرم ورجل الإبادة"*.
كما استضافت وسائل إعلام سعودية قيادات من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في خطوة لم يكن من الممكن تصورها قبل فترة قصيرة.
هذا التغيير في الخطاب الإعلامي، يطرح تساؤلات عميقة حول ما إذا كانت المملكة العربية السعودية قد انتقلت من الحياد الدبلوماسي إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل؟
السعودية وإسرائيل.. من التقارب إلى البرودة
قبل اندلاع الحرب الأخيرة في غزة، كانت العلاقات بين الرياض وتل أبيب تشهد تحولات تدريجية نحو التقارب، في إطار جهود التطبيع التي ترعاها الولايات المتحدة، حيث لم تخفِ بعض الدوائر الإسرائيلية آمالها في أن تكون السعودية الحلقة الأهم في اتفاقيات التطبيع بعد الإمارات والبحرين والمغرب والسودان. غير أن الحرب على غزة، وما رافقها من مشاهد دمار ومجازر بشعة بحق المدنيين الفلسطينيين، أعادت خلط الأوراق.
السعودية، التي ظلت لسنوات تتبنى سياسة متزنة تجاه القضية الفلسطينية، بدأت تُظهر مواقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل، إذ رفضت إدانة الهجمات التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023، وعبرت عن دعمها لحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وذهبت أبعد من ذلك باستضافة شخصيات قيادية من حركة حماس، وهو تطور يحمل رسائل سياسية عميقة.
تحول في الخطاب الإعلامي.. مقدمة لتغيير في السياسة؟
لطالما كان الإعلام السعودي حريصًا على اتباع خطاب دبلوماسي متزن في القضايا الدولية، خصوصًا في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، إلا أن المتابع لوسائل الإعلام الرسمية والمستقلة في المملكة سيلاحظ تغيرًا جذريًا في اللغة المستخدمة.
صحف كبرى مثل "عكاظ" و"الرياض" و"الشرق الأوسط" بدأت تنشر مقالات افتتاحية وتقارير إخبارية تدين بوضوح الجرائم الإسرائيلية في غزة، وتنتقد سياسات نتنياهو و"حكومته المتطرفة"، بينما تحولت البرامج الحوارية التلفزيونية إلى منصات للهجوم العلني على إسرائيل، واستضافت شخصيات فلسطينية من مختلف الفصائل، بما فيها حماس، التي كانت تعتبر في السابق "خطًا أحمر" بالنسبة للإعلام السعودي.
هذا التحول لم يكن مجرد تغير في الخطاب الإعلامي، بل تزامن مع تصريحات رسمية قوية من وزارة الخارجية السعودية، التي أكدت أن المملكة لن تقبل بأي تطبيع مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967. كما صدرت دعوات من شخصيات نافذة في الدولة لمحاسبة إسرائيل على الجرائم التي ترتكبها ضد الفلسطينيين.
خلفيات التحول السعودي.. رسائل متعددة الاتجاهات
هذا التغير في الموقف السعودي يمكن تفسيره من خلال عدة عوامل داخلية وخارجية:
الغضب الشعبي المتزايد: الشارع السعودي، كغيره من الشعوب العربية، لم يتقبل مشاهد القتل والدمار في غزة بصمت، وهو ما دفع السلطات إلى اتخاذ مواقف أكثر وضوحًا تعكس نبض الشارع.
الخيبة من إسرائيل والولايات المتحدة: الرياض أدركت أن إسرائيل غير موثوقة كشريك سياسي، خاصة مع حكومة متطرفة يقودها نتنياهو، الذي عطل جهود التطبيع وسعى إلى توسيع الاستيطان والعدوان على الفلسطينيين. كما أن الولايات المتحدة لم تمارس ضغوطًا كافية على إسرائيل لوقف الحرب، ما أثار تساؤلات حول مدى التزام واشنطن بمصالح حلفائها في المنطقة.
قيادة عربية جديدة؟ تسعى السعودية إلى تعزيز دورها كزعيمة للعالم العربي والإسلامي، وهو ما يجعلها أكثر ميلًا للدفاع عن القضايا العربية الجوهرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. هذا التحرك قد يكون جزءًا من إعادة تموضع استراتيجي يهدف إلى استعادة النفوذ السعودي في المنطقة، في مواجهة قوى إقليمية أخرى مثل إيران وتركيا.
هل نحن أمام قطيعة سعودية-إسرائيلية؟
رغم التصعيد الإعلامي والسياسي، لا يمكن القول إن السعودية تتجه نحو مواجهة مباشرة مع إسرائيل، بل يبدو أن المملكة ترسل رسائل سياسية قوية مفادها أن أي تقارب مع تل أبيب لن يكون ممكنًا دون وقف العدوان على الفلسطينيين.
ومع ذلك، فإن هذا التحول يضع العلاقات السعودية-الإسرائيلية في مفترق طرق، ويعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة، في وقت تشهد فيه القضية الفلسطينية تغيرات غير مسبوقة على الصعيد الدولي.
هل ستواصل السعودية تصعيدها ضد إسرائيل أم أن هذا الموقف هو مجرد تكتيك دبلوماسي مؤقت؟ الإجابة ستتضح خلال الأشهر المقبلة، ولكن المؤكد أن معادلة الشرق الأوسط لم تعد كما كانت قبل حرب غزة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك