أنتلجنسيا المغرب:ل.مطرفي
في مشهد يعكس تناقضًا صارخًا بين المسؤولية السياسية والسلوك البرلماني، تفجرت موجة غضب واستنكار واسع بعد الكشف عن غياب أكثر من 291 نائبًا برلمانيًا عن جلسة حاسمة للتصويت على مشروع قانون الإضراب، وهو القانون الذي أثار الكثير من الجدل باعتباره مفصليًا في العلاقة بين الحكومة والنقابات العمالية. ولم يكد الرأي العام يستوعب صدمة هذا الغياب المهول، حتى انفجرت فضيحة جديدة تمثلت في تخصيص تعويض قدره 1600 درهم لكل نائب يحضر الجلسة العامة، وكأن الحضور لأداء الواجب الدستوري بات يستوجب مكافأة إضافية!
الغياب الجماعي.. أزمة أخلاقية أم تهاون سياسي؟
لم يكن غياب هذا العدد الكبير من البرلمانيين عن جلسة التصويت على أحد أهم القوانين الاجتماعية أمرًا مستغربًا، بالنظر إلى التهاون المستمر لبعض النواب في أداء واجبهم التشريعي. لكن أن يصل عدد المتغيبين إلى أكثر من 291 نائبًا من أصل 395، فهذه فضيحة سياسية بامتياز، تعكس استخفافًا غير مسبوق بالعمل البرلماني، وتطرح تساؤلات مقلقة حول جدوى هذه المؤسسة التمثيلية إذا كان أعضاؤها يتنصلون من مسؤولياتهم بهذه الطريقة.
وقد أثارت هذه الواقعة غضب الشارع المغربي، حيث اعتبر كثيرون أن الغياب عن جلسة بهذا الحجم يكشف بوضوح أن بعض البرلمانيين لا يضعون قضايا المواطنين على رأس أولوياتهم، بل يتعاملون مع البرلمان كامتياز مالي لا كمسؤولية وطنية.
1600 درهم مقابل الحضور.. هل أصبح أداء الواجب مدفوع الأجر؟
في خطوة زادت من تأجيج الجدل، تم الإعلان عن تخصيص تعويض مالي بقيمة 1600 درهم لكل نائب يقرر "التفضل" بالحضور إلى الجلسة العامة. هذا القرار خلف موجة من السخط، حيث تساءل الكثيرون: هل أصبح النواب بحاجة إلى مكافآت مالية إضافية لأداء وظيفتهم؟ وكيف يمكن لحكومة تدعو إلى التقشف وترشيد النفقات أن توافق على هذا القرار الذي لا مبرر له؟
وبالنظر إلى الامتيازات التي يتمتع بها البرلمانيون، بما في ذلك الراتب الشهري الذي يفوق 36 ألف درهم، والتعويضات عن التنقل والإقامة، وامتيازات أخرى كالتقاعد المريح، فإن هذا التعويض الإضافي يبدو غير مبرر إطلاقًا، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغاربة، حيث يصارع الكثيرون لتأمين لقمة العيش في ظل ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية.
من يمثل من؟ عندما ينفصل البرلمان عن هموم الشعب
هذه الفضيحة لم تأتِ في سياق عادي، بل جاءت في خضم أزمة ثقة متزايدة بين المواطنين والمؤسسات المنتخبة. حيث أظهرت استطلاعات رأي حديثة أن نسبة كبيرة من المغاربة يشعرون بالإحباط من أداء البرلمان، ويعتبرون أن المؤسسة التشريعية لم تعد تعكس تطلعاتهم الحقيقية.
ولعل أخطر ما في هذه القضية هو أن التهاون في الحضور والتصويت على القوانين الأساسية قد يؤدي إلى تمرير تشريعات غير عادلة، تُفرض على المواطنين دون رقابة أو نقاش جدي، مما يعمّق أزمة التمثيل السياسي ويزيد من اتساع الفجوة بين الشعب وصنّاع القرار.
الإصلاح ضرورة.. أم أن دار لقمان ستبقى على حالها؟
بعد هذه الفضيحة، تتزايد المطالب بضرورة إصلاح جذري للنظام البرلماني، يبدأ بفرض عقوبات صارمة على البرلمانيين المتغيبين دون مبرر، بدل مكافأتهم على الحضور! كما يُطالب العديد من المواطنين والفاعلين السياسيين بضرورة إعادة النظر في الامتيازات المبالغ فيها التي يتمتع بها نواب الأمة، حتى يكونوا فعلاً في خدمة الشعب، لا في خدمة مصالحهم الخاصة.
لكن السؤال الأهم يبقى: هل ستُتخذ إجراءات حازمة لإنهاء هذه المهزلة، أم أن البرلمان سيظل ساحة للمزايدات السياسية والمصالح الشخصية؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك