أنتلجنسيا المغرب ـ بقلم فؤاد الجعيدي
انبعاث الأمل:
لم تعد هناك من التزامات ولا مواعيد ولا لقاءات ولا المقاهي المعتادة. الطرقات والشوارع وفضاءات التسوق، صارت مسكونة بجرثومة خبيثة تسلل لأرواح النساء والرجال والأطفال وتحصد جنود جبهتها الأولى، بطعنات صمت غادر..وفي كل يوم أمام وأستيقظ على أمل أن لا تزيد الحالة انتشار وفي نفسي سؤال ملح متى يأتي الفرج؟ ظاهر يدي بات يؤلمني من كثرة التعقيم والكمامات يضيق بها صدري حينما يعلو بخار شهيقي وزفيري، نظارتي الطبية..ثم يأخذني التأمل إلى صور المستشفيات والعاملين بها وكيف يطيقون ألبستهم الواقية في صد الجائحة عن مرضاهم..صحيح أني الآن أخجل من نفسي إزاءهم فهم يعلمون أكثر من أي واحد منا المخاطر لكنهم هنا في ساحة هذه الحرب الخفية ولا يتراجعون.. في هذه الحياة تأتي ظروف لتكشف لنا عن معادن أخرى من الناس..يجاهدون دون هوادة لتأمين أمننا، نساء ورجالا ويجاهدون ضد الجاحدين والجاهلين الذين يجد فيهم الوباء صيدا رفيعا ليجدد انتشاره. في كل يوم يكبر في الأمل حين أسمع أن المقاومة في الصين وكوريا الجنوبية نجحت في محاصرة الجائحة التي خلفت ضحايا بعشرات الآلاف في ايطاليا واسبانيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية. ويكبر في الأمل أكثر، حين أقارن بين إجراءات الدول وما اتخذته سلطات بلادي. أشعر بالفخر والاعتزاز ..في أوجه أزمة الوباء بأوهان سارعت الطائرة بأمر من رئيس الدولة، لتأمين عودة الطلبة المغاربة من بؤرة الوباء ثم وضعهم تحت حجر صحي ورعاية طبية دقيقة وهو قرار لم تقدم عليه حتى بعض الدول العظمى. يكبر في الأمل مرة أخرى حين تنتقل أسرة الإنعاش من 350 سريرا إلى ما يفوق 3000 سرير. يكبر في الأمل بقوة حين يبادر رئيس الدولة بإنشاء صندوق يضخ فيه المال من كل المغاربة والمؤسسات للصمود في وجه الجائحة، وينتصر البعض الآخر في إبداع أشكال جديدة لتأمين احتياجات البلاد من وسائل المقاومة مصانع تديرها النساء لصنع الكمامات أطر تقنية وشركات توحد جهودها لتوفير أجهزة التعقيم والتنفس الاصطناعي بالإمكانيات الوطنية. يكبر في الأمل حين أرى أن خصاصا تراكم منذ ستة عقود يتم تداركه فيما لا يتعدى الشهر الواحد..علينا جميعا أن نقدر عودة الدولة إلى الإمساك بقوة بالتوازنات الاجتماعية تستحضر فيها مطالب العيش للناس في هذه الظروف الدقيقة لتعطي النموذج القوي في معنى التضامن بين الناس. يكبر في الأمل ويكبر، حين أسمع وأرى المؤسسات المنتخبة توفر الاعتمادات المالية لتجهيز المستشفيات ومساعدتها على التأهب للطوارئ وتسارع لتأمين القوت للمعوزين..يظل الأمل يمتد في حين أرى المنصات الإفتراضية توفر العلم والمعرفة للتلاميذ والطلبة ويتسابق نساء ورجال التعليم، في استخدام تكنولوجيات التواصل الجديدة لتبسيط المقررات وإبداع بيداغوجيات جديدة لتستمر حياة التعلم في البيوت وداخل دفء العائلات والتي تكتشف البوم وتستشعر ثقل وجسامة المسؤولية التربوية التي كانوا بالأمس القريب ينظرون إليها بنوع من الاستخفاف. أملي اليوم كبير في قدرة بلدي ليس على الصمود بل على الصعود والارتقاء الحقيقي إلى مداخل تنمية الانسان وتقدمه ورفاهيته.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك