بقلم:العلمي الحروني – فاعل سياسي يساري
بعد استعراضنا في الحلقة الأولى للوضع الموبوء بمنطقة الجزيرة العربية ومحيطها وأزمة القيادة في وتفكك الوحدة بالمنطقة، نتناول في الحلقة الثانية الوضع في سوريا الجريحة و كذلك الأزمة التي يمر منها كل من محور "المقاومة" و "التطبيع والمهادنة" على حد سواء.
ما يحدث الآن في المنطقة كلها ليس في نهاية مطافه فهي تعيش مخاضا عسيرا، وخلافا للرأي الذي يقول بحتمية قيادة إسرائيل، فإن تواجد القوتين الفاعلتين المحسوبتان ضمن الدول الإسلامية " ايران وتركيا" سيجعل من الصعب الجزم بشكل حاسم أن إسرائيل هي التي ستقود المنطقة.
فوضع سوريا في الخرائط الجديدة غير نهائي، والنظام الجديد الذي سيفرزه الصراع الداخلي في سوريا غير واضح المعالم والتوجه بالرغم مما يبدو ظاهريا، خاصة أن الاستبداد في سوريا لم يبق على قوة وطنية يحسب لها حساب، ليس هذا فقط بل ملأ السجون بالمعتقلين من المعارضة السورية، فكيف لنظام يضع نفسه في محور المقاومة ويتبنى ذلك في خطبه، ويدمر شعبه بهمجية حوالي مليون قتيل و ما بين 10 الى 12 مليون مهاجر للخارج.
هكذا حول نظام عائلة الأسد سوريا إلى "بالون فارغ" انهار خلال 11 يوما، والشعب السوري محتاج الى وقت لإعادة بناء دولته، وهو قادر، بفضل تاريخه الطويل وحضارته وقيمه وإبداعه، على لملمة جراحه والنهوض من جديد.
مع انهيار الجيش السوري وهروب جزء منه للعراق واختفاء الجزء الآخر، ومع تدمير مواطن القوة وتجريد سوريا من السلاح بسبب الغارات الإسرائيلية، يستحيل في الأمد القريب وقوع اشتباك سوريا مع إسرائيل لا سياسيا ولا ميدانيا، والقيادة الحالية بسوريا لا تملك سوى الصمت ولن ترفع صوتها إلا يوم تتمكن من قدرات تسمح لها بذلك، وأقصى ما هناك اليوم هو الادلاء بتصريح لإذاعة أو محطة تلفزيون، تصريحات لا يترتب على أي عمل ولا مسؤولية. ليس هناك ما يفيد أن في ذهن السلطة الجديدة عداء لإسرائيل بالرغم من انتهاكاتها للأراضي السورية واستمرار إبادتها للشعب الفلسطيني والعدوان على لبنان كمكونات لمنطقة الشام. مما يطرح علامات استفهام كبرى حول أهداف سلطة " هيئة تحرير الشام".
حوالي 40 قوة إقليمية وعالمية دخلت على الخط السوري، وضمنها تركيا التي لها مصالح حيوية على رأسها قضية الشعب الكردي، وقد تتقاطع مصالحها ومصالح إيران والعراق وسوريا في كبح جنوح الأكراد، الذين يناضلون تاريخيا، من أجل بناء دولتهم المستقلة.
يمكن الجزم أن المنطقة في مرحلة تغير وانتقال، خاصة مع الرئاسة الأمريكية والأفكار والسياسة الجديدة بها، فالرئيس ترامب ليس متحمسا لدور عسكري أمريكي خارج حدوده.
أزمة محوري "المقاومة" و "التطبيع والمهادنة" والسقوط الحتمي للتطبيع
محور المقاومة:
حركة المقاومة صامدة لكن وضع مجمل محور المقاومة مأزوم، ولم تبقى تقريبا من أدرع للمقاومة في المنطقة غير ذرع اليمن ومهمة تقويضه يتم التحضير لها الآن من طرف " الكيان الصهيوني " الآلة الوظيفة" للقوى الإمربريالية الغربية وقد يتم الضغط على بعض الدول عربية للمشاركة في هذه المهمة القذرة بشكل مباشر أو ضمني. لكن، في نفس الوقت، تتزايد المقاومة في داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، إذ نلاحظ أنها تطورت لدرجة أن الخسائر فادحة وسط الجيش الإسرائيلي، والعمليات لم تعد فقط بالسلاح والمدافع والطيران الجوي، بل بالطعن بالسكاكين وبالمباشر، والانفجار حاصل بالضفة الغربية وفي تطور والبداية بجنين، والسلطة الاسرائيلية المنهكة تستعين بالأمن وبالسلطة الفلسطينية، وكأن هذه الأخيرة تعمل على تصفية أو إضعاف المقاومة.
أزمة محور التطبيع والمهادنة
يحصل حاليا إحراج لمحور التطبيع، لكنه لم يضعف بدليل استمرار علاقاته، المعلنة وغير المعلنة، مع إسرائيل، هذا المحور يبقى فاعلا، وإن بخجل، ويعيش أيضا أزمة، ومع الإبادة التي حصلت وقضية ملايين النازحين ومئات الآلاف من المعطوبين دون الحديث عن جثت ضحايا الإبادة الصهيونية المتمورة تحت الأنقاض.
من المفترض أن يبدأ السقوط الطبيعي للتطبيع، إذ لم يعد ممكنا إنسانيا وأخلاقيا أن يجرأ أحد على أن يروج للتطبيع أو يتبناه الآن. يبقى التطبيع في السكوت على الجرائم وعدم إدانتها أو و" الحياد السالب" وكأن القضية الفلسطينية لا تعني جل دول المنطقة.
يدعي محور التطبيع والمهادنة بالمنطقة أن التخلص من المقاومة سيدخلها في الرخاء والأمن، وهذا الإدعاء يتنافى والمنطق السليم والواقع الملموس والتجارب الإنسانية.
لا يمكن لعقل مستقيم استيعابه وقبول هذا الادعاء، فالتوحش الإسرائيلي وجرائم الإبادة والقتل والتصفية المرتكبة من الصهاينة لا تجري فقط بـ "حماس سياسي" وإنما، بفكر أيديولوجي، برعاية متشددي رجال الدين اليهود وسردية صهيونية تتمثل في فكرة " شعب بلا أرض لأرض بلا شعب" و " شعب الله المختار" لتبرير الاستيطان والتطهير العرقي والديني والإبعاد وهي رسالة واضحة للجميع، فلا شيء يبرر أي تفاهم أو تعاون أو سكوت أو حياد، فكرة "انتعاش الاقتصاد" والتنمية بالجزيرة العربية، بعد القضاء على المقاومة غير مقنعة لأحد ولن يستفيد منها سوى إسرائيل بدليل أن أي بلد من البلدان المطبعة مع العدو لم تشهد نموا ولا استقرارا.
( يتبع في الحلقة الثالثة )
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك