التعليم بين تناوب الخطط والتنازل عن الكفاءات..هل نحتاج إرادة سياسية أم مجرد استراتيجيات؟

التعليم بين تناوب الخطط والتنازل عن الكفاءات..هل نحتاج إرادة سياسية أم مجرد استراتيجيات؟
تعليم / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا مغربنا 1-Maghribona 1:الشيخ بوعرفة لم يكن التعليم يوماً قضية هامشية لأي دولة تطمح إلى تحقيق نهضة حقيقية، بل هو البوابة الأولى لبناء مجتمع واعٍ ومزدهر. ومع ذلك، في المغرب، يبدو أن التعليم لا يزال حبيس دائرة مفرغة، تدور حول تغييرات غير مدروسة، وبرامج تتبدل بمرور كل مسؤول، من دون رؤية واضحة أو إرادة سياسية فعلية لترسيخ منظومة تعليمية ثابتة ومستدامة. فمع كل حكومة جديدة، نرى خططاً جديدة، ووعوداً مستحدثة، بينما يبقى السؤال قائماً:هل نحن بصدد رغبة حقيقية في الإصلاح، أم أننا مجرد شهود على إعادة تدوير للأزمات؟ ففي قلب هذا المشهد، برز توجه نحو منح مسؤولية التعليم إلى رجال الأعمال والشخصيات ذات الخلفية الاقتصادية، وهي خطوة أثارت الكثير من التساؤلات في الأوساط السياسية والاجتماعية. فهل يُعقل أن يُدار التعليم – تلك الركيزة الأساسية لبناء الإنسان – بذات الأساليب، التي تُدار بها المشاريع الاستثمارية؟ وهل يمكن أن يُعوَّل على رؤية ربحية لتسيير قطاع يحتاج إلى بعد إنساني ومعرفة عميقة بواقع التعليم وتحدياته؟ مع كل تغيير في المناصب العليا بوزارة التعليم، يأتي برنامج جديد ليعيد رسم المشهد التعليمي من الصفر، فيما يُفترض أن تكون السياسة التعليمية ثابتة بغض النظر عن تبدل الوجوه. هذا التناوب المستمر يجعلنا نتساءل عمّا إذا كانت هذه التغييرات تعبر عن عجز في الرؤية، أم أنها في الواقع وسيلة لإبقاء الوضع تحت السيطرة من قبل جهات تمتلك مصالح خاصة في قطاع التعليم، لا تريد له أن يحقق الاستقلالية والاكتفاء. إذ أن تغييرات البرامج تعني إعادة توجيه الميزانيات والعقود، وفي الغالب لا تخلو هذه العمليات من استفادة الأطراف ذات النفوذ. لا يخفى على أحد أن تسليم قطاع التعليم لأشخاص ذوي خلفيات اقتصادية يسهم في دفع القطاع نحو نمط تسيير أشبه بالشركات الكبرى، حيث تصبح المصالح المادية أهم من الأهداف التربوية والتعليمية. فالتعليم لا يقبل المنطق التجاري؛ فهو ليس مجالاً للاستثمار الربحي، بل حق أساسي للمواطن، يتطلب إدارة مستقلة ذات رؤية بعيدة عن المصالح الاقتصادية، يضمنها أشخاص من ذوي الخبرة التربوية والمعرفة العميقة. قد تكون هناك مصالح خفية، فالتمكين الاقتصادي قد يُسهِّل الطريق أمام تعليم خاص يستحوذ على الفئات المتوسطة والعليا، مما يجعل التعليم الجيد مرهوناً بالقدرة المادية، ويترك التعليم الحكومي مُهمَّشاً ومقتصراً على الفئات ذات الموارد المحدودة، ليصبح بذلك قطاع التعليم مدخلاً للفجوة الاجتماعية بدل أن يكون جسراً لتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص. تُعَدُّ فنلندا مثالاً يُحتذى به عالمياً في سياسات التعليم، إذ تبنت منذ البداية نهجاً يعتمد على اختيار الكفاءات التعليمية المؤهلة، ومنحهم حرية الإبداع والابتكار في نظام تعليمي يركز على الجودة بدلاً من الكم، ويُقيّم الإنجاز بناءً على الاستفادة المجتمعية لا العوائد المادية. ولم تكتفِ فنلندا بسنّ سياسات تعليمية ناجحة، بل جعلت التعليم ضمن أولوياتها، بمنأى عن تدخلات المصالح الاقتصادية الضيقة. وهذا النهج جعل التعليم هناك من الركائز القوية التي أسهمت في بناء مجتمع فنلندي متوازن، يشكل الإنسان فيه قيمة أساسية لنهضة الوطن. ويبقى التساؤل المطروح:هل تحتاج منظومتنا التعليمية إلى تغييرات في البرامج فقط، أم أننا بحاجة إلى إرادة سياسية تجعل من التعليم ركيزة حقيقية للإصلاح المجتمعي، وتمنح المسؤولية لمن يستحقها، بعيداً عن الحسابات الربحية والمصالح الخاصة؟ لأن إصلاح التعليم لن يكون إلا بإعادة الثقة إلى هذا القطاع، عبر كفاءات تستحق تولي زمام الأمور، وليس من خلال تعيين شخصيات تسعى إلى تحويل التعليم إلى ملف استثماري جديد. التعليم لا يحتاج إلى مَن يُسوّق له برامج وقتية، بل يحتاج إلى مَن يتبنى رؤية استراتيجية، يتعامل بها مع التعليم كقضية وطنية تمس أمن المجتمع واستقراره، وينظر إليه كحق دستوري غير قابل للمساومة. فمن هنا، يبدأ بناء مجتمع متماسك، قادر على الاستجابة للتحديات، ومهيأ للمستقبل.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك