مغربنا 1-Maghribona 1 سليمان ب عب
عنونت مجلة "الإيكونيمست" إحدى أشهر المجلات الاقتصادية العالمية وأكثرها تحليلا في عددها الصادر في 18 نوفمبر 2022 "لماذا الركود العالمي أمر لا مفر منه في عام 2023؟".
الإجابة عن هذا السؤال جاء على لسان خبراء اقتصاديين بداية سنة 2023 ، حيث اكدوا بان أداء الاقتصاد العالمي في أواخر العام الماضي سلبية، وساد مناخ عام من التوقعات المتشائمة، وهيمنت نظرة سوداوية بشكل كبير على الجميع، بل إن تقديرات كبريات المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية بشأن الركود المقبل باتت شبه قاطعة. الآن ومع اقتراب العام من نهايته تبدو الصورة مختلفة إلى حد كبير، فلا يمكن القطع بالقول إن أجواء ربيعية متفائلة تسود بين الخبراء الاقتصاديين وكبار المصرفيين، ولكن على الأقل فإن حدة القلق من وقوع الاقتصاد الدولي في فخ الركود قد تراجعت بشكل كبير. بالطبع لا يزال الاقتصاد العالمي يعاني مشكلات جمة إلى الحد الذي يدفع الخبراء إلى وصف الوضع الحالي بـ"الأزمات المتعددة" وهو وضع لا يعد فريدا من نوعه، إذ سبق أن عانى الاقتصاد الدولي أزمات متعددة في وقت واحد كما حدث في أعقاب الحرب العالمية الأولى، لكن تلك المرة تختلف مظاهر تلك الأزمات وحدتها، كما أن طبيعتها المتناقضة تجعل من الصعب إيجاد حل أو علاج ناجع لها جميعا في الوقت ذاته، بل إنه في كثير من الأحيان قد يؤدي حل أزمة من الأزمات إلى تفاقم أزمات أخرى. لكن منبع التفاؤل الحالي أن بعض الاقتصادات الكبرى بدأ تتنفس الصعداء، ولم يثبت قدرته على الصمود فقط، بل الأهم أنه نجح في الهروب من هوة الركود، وكان وقوعه في تلك الهوة كفيلا بأن يجعله يأخذ معه عديدا من الاقتصادات الأخرى وربما الاقتصاد الدولي بأكمله إلى تلك الهوة السحيقة. وهنا، لا ينفي الدكتور دي. إس إيدسون أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة لندن أن هناك تفاؤلا نسبيا في الأجواء، لكنه يحذر من أن المظاهر الجيدة للاقتصاد العالمي تخفي بين طياتها عديدا من جوانب الخلل التي تجعل الوضع العام هشا بحيث يمكن أن يختفي التفاؤل بين ليلة وضحاها. ويرى إم. سبنسر الاستشاري السابق في البنك الدولي أن هناك بصيصا من الامل بفضل الجهود التي تبذلها مجموعة من الاقتصادات الناشئة والرائدة على المستوى العالمي التي تعمل على نقل التعاون الدولي من مرحلة "الحديث" إلى مرحلة "الفعل." مع هذا فإن الرؤية الدولية القائمة على أن الابتعاد عن الركود الاقتصادي والتغلب على الأزمات الاقتصادية المتعددة التي تواجه المجتمع الدولي تتطلب مزيدا من التعاون الجماعي، يجب ألا تنسينا أن ذلك لن يكون كافيا لنزع فتيل التهديدات التي تواجه الاقتصاد العالمي، فعلى صناع السياسات في كل دولة على حدة أن يعملوا على تحسين كفاءة الإنفاق العام وإعادة تخصيص الموارد نحو مشاريع البنية التحتية ذات الأولوية، وتحسين أطر الإدارة ومناخ الأعمال وتبسيط البيئة التنظيمية كشرط أساسي لإيجاد أرضية تمهد لتعاون دولي صحي يقوم على مساهمات إيجابية وحقيقية من الجميع دون أن تتحول بعض الدول إلى عالة على الآخرين الأكثر ثراء. من المتوقع أن يبلغ متوسط نمو الاقتصاد العالمي هذا العام 2.3 في المائة أي أقل بنسبة 1 في المائة عما كان عليه الوضع قبل جائحة كورونا، وسيكون النمو في 85 في المائة من بلدان العالم أبطأ هذا العام مقارنة بالعام الماضي، ومن بين المحركات الثلاثة للاقتصاد العالمي (الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والصين)، فإن الاقتصاد الأمريكي هو الذي يحقق نموا قويا، بينما الصين وأوروبا تواجهان أوقاتا صعبة، إذ إن النمو في منطقة اليورو متوقف بينما تبدو الصين متعثرة، وحتى الآن فإن التوقعات تشير إلى أنه بنهاية عام 2024 سيظل الناس فيما يقرب من 30 في المائة من الاقتصادات النامية أكثر فقرا مما كانوا عليه قبل جائحة كورونا. في خضم تلك الضغوط يحذر عدد من الخبراء المصرفيين بأن يؤدي انصباب الاهتمام الدولي على التحديات الاقتصادية إلى غض الطرف عن الأزمات المالية التي يواجهها العالم. مع هذا فإن المؤشرات الراهنة تشير من وجهة نظر روزي جولياني الخبيرة المصرفية إلى استعداد عالمي من الشركات الدولية وكبار المستثمرين إلى التعامل مع فكرة ارتفاع أسعار الفائدة باعتبارها وضعا مستقبليا سيستمر لبضعة أعوام. وتضيف "لكن يصعب القول إن الوضعين الاقتصادي والمالي العالميين قد استقرا، خاصة أن تحقيق معدلات نمو مرتفعة سيكون أمرا صعبا في الأجل القصير، ولن يكون هناك من ضمانة حقيقية للخروج من الأزمات المتعددة إلا بتبني سياسات اقتصادية واعية، تعلي القرار الاقتصادي على غيره من القرارات، وأن تبتعد عن القرارات ذات الطبيعة الشعبوية التي تهدف إلى حل المسائل الآنية وتجاهل القضايا بعيدة الأمد. وأكدت أن "الطريق المختصر وما به من إغراءات قد يؤدي إلى الإيهام بأن المشكلات الاقتصادية والمالية قد حلت، ولكن في حقيقة الأمر أنها تزداد تفاقما وحدة، بحيث ستطفو على السطح وبشكل عنيف يوما ما وحينها سيكون حلها أكثر صعوبة وأعلى تكلفة
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك