الربط الثابت بين المغرب وإسبانيا يتجاوز الجغرافيا نحو شراكة رقمية وهندسية متقدمة

الربط الثابت بين المغرب وإسبانيا يتجاوز الجغرافيا نحو شراكة رقمية وهندسية متقدمة
اقتصاد / الجمعة 11 أبريل 2025 - 15:48 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أبو جاسر

في خطوة جديدة تعكس عمق وتطور العلاقات بين المغرب وإسبانيا، عزز البلدان تعاونهما في مشروع الربط الثابت عبر مضيق جبل طارق، من خلال توقيع اتفاقيتين استراتيجيتين شملتا مجالات الرقمنة والهندسة، ما يشير إلى دخول المشروع مرحلة جديدة تتسم بدقة التخطيط وتكامل الرؤى. الزيارة الرسمية التي قام بها وفد مغربي رفيع المستوى إلى العاصمة الإسبانية مدريد، ترأسه عبد الكبير زهود، رئيس الشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق، شهدت اجتماعات تقنية مكثفة جمعت خبراء من البلدين، ووضعت أسساً متينة لتعاون علمي ومهني طويل الأمد.

وقد تركزت النقاشات بين الطرفين على الجوانب التقنية الحيوية للمشروع، خصوصاً ما يتعلق برقمنة الوثائق، وتطوير نظام حديث لإدارة البيانات ذات الصلة، إلى جانب القضايا الهندسية المعقدة التي يطرحها الربط الثابت بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط. عن الجانب الإسباني، ترأس الاجتماعات خوسي لويس غوبرنا كاريدي، الرئيس التنفيذي للشركة الإسبانية للدراسات المرتبطة بالمضيق، مؤكداً التزام بلاده بالدفع بهذا المشروع الطموح نحو الأمام، من خلال توظيف أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الرقمية والهندسية.

الاتفاقية الأولى التي وُقعت خلال هذه الزيارة، جمعت بين المديرة العامة للمركز الإسباني للدراسات والتجارب في الأشغال العمومية، أوريا بيروتشو مارتينيز، والمدير العام للمختبر العمومي للتجارب والدراسات المغربي، حمو بن سعدوت. وتهدف هذه الشراكة إلى تنفيذ دراسات تفصيلية في عدد من المجالات الأساسية مثل الطرق، وهندسة التربة والصخور، والنقل السككي، والنقل العمومي، إضافة إلى قطاعات حيوية أخرى مثل الماء والسلامة الطرقية والبيئة. هذه المجالات تمثل جوهر البنية التحتية لأي مشروع ضخم من حجم الربط الثابت عبر المضيق، الذي يُعدّ واحداً من أكبر المشاريع الجيو-استراتيجية في المنطقة.

أما الاتفاقية الثانية، فقد جمعت بين مؤسستين أكاديميتين مرموقتين: المدرسة التقنية العليا لمهندسي الطرق والقنوات والموانئ التابعة لجامعة مدريد، ممثلة بمديرها العام خوسي ميغيل أتيينسا رييرا، والمدرسة الحسنية للأشغال العمومية بالدار البيضاء، ممثلة بمديرها جواد بوطاهر. وتمثل هذه الاتفاقية لبنة أساسية لتعاون أكاديمي ممتد في الزمان والمجال، حيث تشمل بنودها تبادل الأساتذة والطلبة، إطلاق مشاريع بحثية مشتركة، تنظيم دورات تدريبية عالية المستوى، وتعزيز التبادل العلمي والتقني بين الجانبين، وهو ما يعكس وعياً مشتركاً بضرورة إشراك الكفاءات العلمية الوطنية في البلدين في تنفيذ هذا المشروع العملاق.

وتندرج هذه المبادرات في سياق تنفيذ برنامج تبادل استراتيجي بين الشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق ونظيرتها الإسبانية، والذي يهدف إلى خلق تكامل بين المؤسستين على كافة المستويات، ليس فقط التقنية، بل أيضاً التنظيمية والأكاديمية، لضمان نجاعة المشروع وسلامة تنفيذ مراحله. وتأتي هذه التحركات في إطار تنزيل القرارات المنبثقة عن الاجتماع الثالث والأربعين للجنة المغربية الإسبانية المشتركة حول مشروع الربط الثابت، والذي عقد في أبريل 2023، وشكل منعطفاً حاسماً في تاريخ هذا التعاون الثنائي.

خلال هذا الاجتماع، توصل الطرفان إلى رؤية موحدة تقوم على تعبئة شبكات علمية وتقنية منسجمة ومتكاملة، في كل من المغرب وإسبانيا، من خلال إشراك الهيئات العمومية، ومكاتب الدراسات، والجامعات، ومراكز البحث العلمي، بشكل يضمن الاستفادة المثلى من الكفاءات الوطنية والخبرات المتخصصة. هذا التصور الجديد يهدف إلى تحويل مشروع الربط الثابت من مجرد مشروع إنشائي إلى منصة متعددة الأبعاد للابتكار، والنقل المعرفي، والتعاون العلمي، مما يكرّس مكانته كأحد أضخم المشاريع التكاملية بين ضفتي المتوسط.

وهكذا، لا يبدو الربط الثابت بين المغرب وإسبانيا مجرد مشروع لمدّ جسر أو نفق عبر مضيق، بل هو رؤية متكاملة تتطلع إلى بناء جسر للتعاون والتكامل بين حضارتين، وشعبين، ومستقبلين يتقاطعان في البر والبحر والابتكار.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك