أنتلجنسيا المغرب:حمان ميقاتي
أحدثت القرارات الجمركية التي اتخذها
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب هزة عنيفة في الاقتصاد العالمي، حيث فرضت
الولايات المتحدة رسوما إضافية على مجموعة من الدول، بما في ذلك دول أوروبية
رئيسية.
هذه الإجراءات التجارية، التي كانت
تهدف إلى تقليص العجز التجاري الأمريكي وتعزيز الصناعات المحلية، جاءت بنتائج
عكسية وأدت إلى خسائر فادحة في الأسواق المالية والتجارية، مما أثار موجة من القلق
بين المستثمرين وقادة الاقتصاد حول مستقبل التجارة الدولية.
فرضت واشنطن رسوما جمركية مرتفعة على
واردات الصلب والألمنيوم القادمة من أوروبا، إضافة إلى تعريفات جديدة طالت سلعًا
متنوعة مثل السيارات، المنتجات الزراعية، والمعدات الصناعية.
هذه السياسات أدت إلى تصاعد التوترات
التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث ردت الدول الأوروبية
بإجراءات انتقامية فرضت بموجبها ضرائب مماثلة على المنتجات الأمريكية، مما أطلق
شرارة حرب تجارية أضرّت بصناعات كبرى على ضفتي الأطلسي.
انعكست هذه القرارات سلبًا على
الأسواق المالية العالمية، حيث شهدت البورصات تراجعات حادة نتيجة مخاوف المستثمرين
من تباطؤ الاقتصاد العالمي، العديد من الشركات متعددة الجنسيات تأثرت بشكل مباشر،
إذ وجدت نفسها أمام تحديات كبرى تتمثل في ارتفاع تكاليف الإنتاج وضعف الإقبال على
منتجاتها بسبب ارتفاع أسعارها بعد تطبيق الرسوم الجمركية.
كما اضطر بعض المصنعين إلى تقليص
نشاطاتهم أو البحث عن أسواق بديلة في محاولة لتخفيف حدة الخسائر.
من جهة أخرى، أدت هذه السياسات إلى
اضطراب سلاسل التوريد العالمية، حيث واجهت الشركات صعوبات في الحصول على المواد
الخام ومكونات الإنتاج بأسعار معقولة، مما أثر على القدرة التنافسية للصناعات في
العديد من الدول. وأظهرت تقارير اقتصادية أن العديد من الشركات الأوروبية اضطرت
إلى إعادة النظر في استراتيجياتها التجارية والاستثمارية لتجنب التعرض للمزيد من
الخسائر، وهو ما أدى إلى انخفاض معدلات النمو في قطاعات حيوية مثل السيارات
والطاقة والتكنولوجيا.
الانعكاسات السلبية لم تقتصر على
الشركات، بل امتدت إلى المستهلكين الذين واجهوا زيادات كبيرة في الأسعار، خاصة على
السلع المستوردة من الولايات المتحدة أو التي تأثرت بسلاسل التوريد المعطلة.
العديد من المحللين حذروا من أن استمرار هذه الحرب التجارية قد يؤدي إلى تضخم
عالمي يصعب التحكم فيه، مما قد يفاقم الأوضاع الاقتصادية في الدول التي تعاني
أصلًا من أزمات مالية.
ورغم محاولات بعض الدول الأوروبية
الدخول في مفاوضات مع إدارة ترامب لإيجاد حلول وسط، فإن النهج الأمريكي ظل متشددا،
مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى البحث عن بدائل تجارية أخرى بعيدًا عن السوق
الأمريكية. هذا التوجه أدى إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين أوروبا ودول آسيوية
مثل الصين والهند، التي استفادت من الفراغ التجاري الناتج عن تراجع التعاون مع
الولايات المتحدة.
مع دخول بعض الرسوم الجمركية التي
فرضها ترامب حيز التنفيذ، ظهرت تداعيات أخرى غير متوقعة، مثل ارتفاع معدلات
البطالة في بعض القطاعات التي تعتمد على التصدير، لا سيما في أوروبا، حيث اضطر
العديد من المصانع إلى إغلاق أبوابها أو تخفيض أعداد العاملين فيها. وفي الولايات
المتحدة نفسها، واجه بعض المصنعين الأمريكيين الذين يعتمدون على المواد الخام
المستوردة ارتفاعًا في تكاليف الإنتاج، ما جعلهم أقل قدرة على المنافسة في الأسواق
المحلية والدولية.
أثبتت هذه التجربة أن الحروب التجارية
لا تؤدي إلى تحسين الاقتصادات، بل تتسبب في اضطرابات اقتصادية واسعة النطاق، وهو
ما أكده العديد من الخبراء الذين رأوا أن سياسة ترامب الحمائية ألحقت أضرارًا
طويلة الأمد بالنظام التجاري العالمي.
وبينما بدأت بعض الحكومات تتكيف مع
هذا الواقع الجديد، فإن الآثار السلبية لهذه السياسات لا تزال تلقي بظلالها على
الاقتصاد العالمي، مما يجعل التعافي منها مسألة تتطلب تغييرات جوهرية في سياسات
التجارة الدولية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك