أنتلجنسيا المغرب:أبو جاسر
في مشهد يثير استغراب المواطنين واستياءهم على حد سواء، تستمر المصحات الخاصة بالمغرب في فرض الأداء النقدي على المرضى والمرتفقين، متجاهلة تماماً إمكانية الأداء عبر البطاقة البنكية، وهي خدمة أصبحت متوفرة في معظم القطاعات بالمملكة.
ورغم التطور التكنولوجي الذي شهده القطاع المصرفي وتعزيز الدفع الإلكتروني في الحياة اليومية، يبدو أن المصحات الخاصة اختارت السباحة عكس التيار، مما يثير تساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الوضع.
المواطنون الذين يلجؤون إلى المصحات الخاصة يواجهون ضغطاً مضاعفاً. فمن جهة، عليهم التعامل مع تكاليف مرتفعة للعلاج، ومن جهة أخرى، يُجبرون على توفير مبالغ كبيرة نقداً في وقت وجيز. وفي حالة عدم التوفر على المبلغ المطلوب، تُفرض عليهم وسائل بديلة مثل شيكات موقعة على بياض، وهو أمر غير قانوني ويُعرضهم لمخاطر قانونية جدية.
يقول أحد المواطنين الذي عاش تجربة مماثلة: "حينما اضطررت لإجراء عملية مستعجلة لأحد أفراد عائلتي، طلبت المصحة مبلغاً ضخماً نقداً. وعندما اقترحت الأداء بالبطاقة البنكية، أخبروني أن هذه الخدمة غير متوفرة. اضطررت إلى توقيع شيك كضمان، وهو أمر أشعرني بالاستغلال".
هذا السلوك يطرح علامات استفهام حول قانونية وشفافية العمليات المالية داخل المصحات. فعدم قبول الأداء عبر البطاقة البنكية يُثير شكوكاً حول احتمالات التهرب الضريبي أو عدم التصريح الكامل بالمداخيل، ما يؤدي إلى الإضرار بخزينة الدولة والمواطن في آن واحد.
من جهة أخرى، يرى بعض المتابعين أن غياب الرقابة الصارمة من الجهات المسؤولة، مثل وزارة الصحة والمالية، يُساهم في استمرار هذه الممارسات. فالمصحات الخاصة تُعتبر جزءاً من المنظومة الصحية الوطنية، ومن المفترض أن تُلزم بتقديم خدمات شفافة وميسرة تتماشى مع التوجهات الحديثة للدولة نحو تعزيز الشمول المالي والرقمنة.
وفي ظل هذه الظروف، يبقى السؤال المطروح: لماذا لم تُفعّل الحكومة إجراءات حازمة لفرض وسائل الدفع الإلكترونية بالمصحات الخاصة؟ وهل يمكن اعتبار هذا التهاون تعبيراً عن ضعف الرقابة أم تواطؤاً مع لوبيات المصحات التي تستفيد من الوضع الحالي؟
على الرغم من المبادرات الحكومية لتشجيع الرقمنة والدفع الإلكتروني، يبقى القطاع الصحي الخاص بعيداً عن هذه الدينامية. ومع استمرار هذه الممارسات، يُطالب المواطنون بتدخل حاسم من الجهات الوصية لضمان احترام حقوقهم، ووضع حد لهذا الاستغلال الذي يتعارض مع المبادئ الأساسية للخدمات الصحية.
إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الثقة بين المواطن والمؤسسات الصحية الخاصة ستتآكل بشكل أكبر، مما سيؤدي إلى زيادة الاحتقان والاحتجاجات، في وقت يحتاج فيه القطاع الصحي بالمغرب إلى إصلاحات جذرية تعزز العدالة والشفافية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك