أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر
تواجه أنظمة التقاعد في المغرب أزمة خانقة، حيث تشير الأرقام والدراسات إلى أن العديد من صناديق التقاعد تواجه خطر الإفلاس في غضون سنوات قليلة إذا استمرت الظروف الحالية.
فأزمة هذه الأنظمة ليست مجرد مشكلة مالية فحسب، بل تمثل تحديًا كبيرًا للحكومة المغربية، التي تحت قيادة رئيسها عزيز أخنوش، تحاول جاهدة إيجاد حلول جذرية ومستدامة لمنع انهيار هذا النظام الذي يشمل ملايين المغاربة.
في هذا السياق، تعمل حكومة أخنوش على تعديل الأنظمة الحالية لرفع نسبة الاشتراكات ورفع سن التقاعد إلى 65 سنة، سواء في القطاع العام أو الخاص، في خطوة تهدف إلى تعزيز استدامة أنظمة التقاعد.
ولكن هل ستتمكن الحكومة، من إنقاذ هذه الأنظمة المتداعية، وما هي التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لهذه القرارات على المواطنين؟
أرقام صادمة:أنظمة التقاعد في خطر
حسب التقارير الأخيرة التي نشرتها الهيئة الوطنية للتقاعد والضمان الاجتماعي، فإن معظم صناديق التقاعد في المغرب، بما في ذلك الصندوق المغربي للتقاعد وصندوق الضمان الاجتماعي، تواجه عجزًا ماليًا متزايدًا. يُتوقع أن يصل العجز إلى حوالي 25 مليار درهم في عام 2025، وهو ما يهدد الاستدامة المالية لهذه الأنظمة.
على سبيل المثال، يُظهر تقرير من الصندوق المغربي للتقاعد أن الوضع المالي لهذا الصندوق يعاني من تراجع مستمر في الفائض منذ عام 2014، حيث تشير التوقعات إلى أن الأموال المتاحة لتغطية التزامات المتقاعدين ستنفد بحلول عام 2030 إذا استمرت الأوضاع على حالها.
بالإضافة إلى ذلك، يشير نفس التقرير إلى أن نسبة المعاشات الشهرية التي يتم دفعها للمستفيدين تفوق بنسبة كبيرة الإيرادات التي يتم جمعها من الاشتراكات الشهرية، مما يزيد من تعقيد الوضع.
حكومة أخنوش:رفع الاشتراكات ورفع سن التقاعد كحلول مؤقتة
في مواجهة هذا الوضع الخطير، قامت حكومة عزيز أخنوش بتقديم مجموعة من الحلول، أبرزها رفع نسبة الاشتراكات التي يساهم بها العمال وأرباب العمل في القطاعين العام والخاص، وزيادة سن التقاعد إلى 65 سنة.
رفع الاشتراكات:
الاقتراح الأول الذي تم طرحه هو زيادة نسبة الاشتراكات من قبل العمال وأرباب العمل لتمويل صناديق التقاعد. في الوقت الحالي، يساهم العامل بنسبة 6% من راتبه الشهري في صندوق التقاعد، بينما يساهم صاحب العمل بنسبة مماثلة. الحكومة تقترح رفع هذه النسب إلى 10% على الأقل، في خطوة تهدف إلى زيادة الإيرادات الصافية لصناديق التقاعد.
ورغم أن هذه الخطوة قد تساهم في تخفيف العبء المالي على المدى القصير، إلا أن هناك مخاوف من تأثيرها على القدرة الشرائية للعمال وأرباب العمل، حيث قد تؤدي الزيادة في الاشتراكات إلى تخفيض الأجور الشهرية للمواطنين، وهو ما قد يزيد من معاناتهم الاقتصادية في ظل ارتفاع الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة.
رفع سن التقاعد إلى 65 سنة:
إحدى الخطوات الأكثر إثارة للجدل هي رفع سن التقاعد إلى 65 سنة بدلًا من 60 عامًا، وهي خطوة تتبع العديد من الدول التي تواجه مشاكل مشابهة في أنظمة التقاعد. هذا الإجراء سيسمح للمواطنين بالاستمرار في العمل لفترة أطول، مما يساهم في تقليل الضغط على صناديق التقاعد.
على الرغم من أن رفع سن التقاعد قد يعزز إيرادات صناديق التقاعد، إلا أن هذه الخطوة قد تواجه مقاومة شديدة من فئات كبيرة من الموظفين، وخاصة أولئك الذين يعملون في وظائف ذات طابع بدني أو متطلب. إضافة إلى ذلك، فإن شريحة واسعة من الموظفين قد تكون غير قادرة على الاستمرار في العمل بعد سن 60، ما قد يزيد من احتمالية تعرضهم لصعوبات مالية في مرحلة متقدمة من حياتهم.
الأثر الاجتماعي والسياسي لهذه الإصلاحات
رغم أن هذه الإصلاحات قد تكون ضرورية لضمان استدامة أنظمة التقاعد على المدى الطويل، إلا أن تنفيذها قد يتسبب في بعض المشاكل الاجتماعية والسياسية. في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، فإن رفع الاشتراكات وزيادة سن التقاعد قد يؤديان إلى زيادة الاحتجاجات الشعبية، خاصة من قبل النقابات العمالية التي قد ترى في هذه الإصلاحات عبئًا إضافيًا على الطبقات العاملة.
أشارت العديد من النقابات إلى أن الإصلاحات المقترحة لا تعكس احتياجات العمال الحقيقيين، حيث يواجهون تحديات اقتصادية تتعلق بارتفاع تكاليف المعيشة، بالإضافة إلى غياب سياسة اجتماعية شاملة لدعم الفئات الأكثر تضررًا.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة قد قررت في وقت لاحق فتح حوار اجتماعي مع النقابات والهيئات المهنية لمحاولة إيجاد حلول وسط تلائم مصالح جميع الأطراف، بما في ذلك تحسين ظروف العمل والتأمين الصحي للمتقاعدين.
مقترحات أخرى:تحسين استثمار أموال التقاعد
إلى جانب رفع الاشتراكات ورفع سن التقاعد، هناك أيضًا مقترحات لتحسين استثمار أموال التقاعد بشكل أكثر فعالية. حاليًا، يتم استثمار جزء من أموال صناديق التقاعد في سندات حكومية وعقارات منخفضة العائد، وهو ما يؤدي إلى تراجع العوائد المالية على الصندوق.
بعض الخبراء في مجال المال والاستثمار يقترحون تنويع محفظة استثمارية أكبر تشمل مشاريع خاصة وصناديق استثمارية ذات مردود أعلى، ما قد يساعد على زيادة الإيرادات المالية التي تساهم في توازن النظام التقاعدي.
التحديات المستقبلية
رغم هذه الإصلاحات، فإن التحدي الأكبر بالنسبة للمغرب سيظل مرتبطًا بكيفية ضمان استدامة هذه الأنظمة على المدى الطويل. إن تغيير الأطر القانونية والمالية لأنظمة التقاعد يتطلب مراقبة دقيقة وتعديلات مستمرة تتماشى مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
الأرقام تشير إلى أن نسبة المتقاعدين إلى العاملين في المغرب قد وصلت إلى مستويات غير مستدامة. في عام 2023، كانت النسبة تقدر بحوالي 15 متقاعدًا مقابل كل 100 عامل، وهي نسبة من المتوقع أن تتفاقم في السنوات القادمة بسبب التغيرات الديمغرافية التي يشهدها المغرب، مما يرفع من خطر تفاقم الأزمة.
خلاصة القول، أنظمة التقاعد في المغرب على شفا الإفلاس، وحكومة عزيز أخنوش تجد نفسها أمام تحدٍ كبير لحماية هذه الأنظمة من الانهيار التام. الحلول المطروحة مثل رفع الاشتراكات ورفع سن التقاعد هي مجرد محاولات لاحتواء الأزمة، ولكن تبقى التداعيات الاجتماعية والسياسية لهذه القرارات غير واضحة. وإذا كانت الحكومة تأمل في إنقاذ المنظومة، فسيكون عليها اتخاذ إجراءات إصلاحية أعمق تضمن توازناً بين الحفاظ على الاستدامة المالية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك