أنتلجنسيا المغرب:رئاسة التحرير
في واقعة خطيرة تهزّ أركان الأمن السيبراني المغربي وتضع علامات استفهام كبرى حول درجة حماية البيانات الحساسة، تعرّض الموقع الرسمي لوزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، التي يشرف عليها الوزير يونس السكوري، لعملية اختراق إلكتروني معقدة، نفذتها مجموعة قراصنة جزائريين يُعتقد أنهم على صلة بمنظمات إلكترونية منظمة تعمل في الخفاء منذ سنوات.
الهجوم الإلكتروني الذي تم اكتشافه في الساعات الأولى من صباح يوم الأحد، لم يكن مجرد عملية تشويه للواجهة أو تعطيل مؤقت للموقع، بل اختراق ممنهج استهدف قاعدة البيانات المركزية للوزارة، حيث نجح القراصنة في الوصول إلى ملفات حساسة تحتوي على معلومات شخصية دقيقة لآلاف الأجراء المغاربة، بما فيها أسماء، أرقام بطائق التعريف، بيانات التوظيف، عناوين إلكترونية، وأرقام حسابات بنكية بالنسبة لبعض المستفيدين من برامج الدعم والتشغيل.
الخطورة لا تتجلى فقط في الوصول إلى هذه المعلومات، بل في أن المخترقين لم يترددوا في تسريب أجزاء منها على الإنترنت، على ما يُعرف بالـ"دارك ويب"، مرفوقة برسائل تحمل مضامين سياسية عدائية، تؤكد تورط جهات ذات خلفية جيوسياسية في هذا العمل العدواني الذي يُعد انتهاكًا صارخًا للسيادة المعلوماتية المغربية.
وقد تسبب هذا الحادث في حالة من الاستنفار داخل أروقة الوزارة، حيث جرى إغلاق الموقع بشكل مؤقت وإطلاق تحقيق داخلي بموازاة مع فتح تحقيق قضائي وأمني بتنسيق مع الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات والقيادة العليا للأمن السيبراني التابعة للدفاع الوطني. كما باشرت وحدات الأمن الرقمي التابعة للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (الديستي) تعقّب أثر المهاجمين، مستعملة أحدث تقنيات تتبع البصمة الرقمية عبر بروتوكولات الشبكات العميقة.
مصدر حكومي أكد أن هذه العملية تمثل تحديًا حقيقيا لجهود المغرب في الرقمنة والإدارة الذكية، خاصة وأن وزارة الإدماج الاقتصادي كانت قد أطلقت في الآونة الأخيرة عدة منصات رقمية موجهة لتسهيل إدماج الشباب وتمكين المقاولات الصغرى من خدمات رقمية دون الحاجة إلى التنقل.
وفي ظل هذه الواقعة، يتصاعد الضغط على الوزير يونس السكوري، الذي لم يُصدر لحد الآن بلاغًا رسميًا، رغم حالة الغضب الواسعة التي عبر عنها المواطنون في مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين بمحاسبة المسؤولين عن الخلل الأمني الذي سمح بحدوث هذا الاختراق، وبتوفير ضمانات صارمة لحماية معطياتهم الشخصية.
المعارضة البرلمانية دخلت بدورها على الخط، حيث دعت إلى مساءلة الوزير تحت قبة البرلمان، معتبرة أن ما وقع "فضيحة سيبرانية بحجم دولة"، تستوجب محاسبة كل من ثبت تقصيره في تأمين منظومة حساسة مثل تلك المرتبطة بالتشغيل والبرامج الاجتماعية.
وفي هذا السياق، شدد خبراء في الأمن السيبراني على أن هذا الهجوم يجب أن يُعامل كـ"جرس إنذار كبير"، يُعيد النظر في جميع البنيات الرقمية التي تعتمد عليها الوزارات والمؤسسات العمومية، ويحثّ على الإسراع بإخراج استراتيجية وطنية متكاملة للدفاع الرقمي، مع تكوين فرق سيبرانية ذات كفاءة عالية لمواجهة التهديدات الخارجية المتزايدة.
وبينما يتواصل التحقيق الأمني والتقني لكشف ملابسات الهجوم وهويات الفاعلين، يبقى المواطن المغربي هو المتضرر الأكبر من هذا النوع من الهجمات، التي تفرغ "التحول الرقمي" من مضمونه الإيجابي، وتُعرّي ثغراتٍ أمنية قد تكون بوابة لتدخلات أجنبية أشد خطورة في المستقبل.
في نهاية المطاف، يبدو أن الحرب المقبلة، لم تعد تدور فقط على الأرض، بل في الفضاءات الرقمية حيث تتحول المعلومة إلى سلاح، وتصبح البيانات الرهينة الجديدة لصراعات الجوار والتوازنات الجيوسياسية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك