9 أبريل..حين تحدّى محمد الخامس الاستعمار مرتين:ذكرى بطولية تُجدّد عهد الوحدة والسيادة الوطنية

9 أبريل..حين تحدّى محمد الخامس الاستعمار مرتين:ذكرى بطولية تُجدّد عهد الوحدة والسيادة الوطنية
ديكريبتاج / الثلاثاء 08 أبريل 2025 - 14:45 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أبو فراس

يحل يوم 9 أبريل محمّلاً بدلالات وطنية عميقة وموعدين تاريخيين جسّدا الإرادة الملكية والشعبية في التحرر والوحدة.

ففي مثل هذا اليوم من سنتي 1947 و1956، خلد التاريخ مَحطتين مفصليتين في مسار النضال المغربي ضد الاستعمار، قادهما بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس، إذ زار مدينة طنجة سنة 1947 متحدياً أنظمة الحماية، ثم عاد في 1956 إلى تطوان بعد إعلان الاستقلال الشامل، مُتوّجاً بذلك مسيرة كفاح طويلة من أجل وحدة التراب المغربي.

رحلة طنجة 1947: كلمة سيّدت الوطن

في 9 أبريل 1947، خطى محمد الخامس خطوة سياسية جريئة عندما قرر زيارة مدينة طنجة، التي كانت آنذاك تحت الإدارة الدولية، متحدياً الضغوط الفرنسية ومحاولات منع الرحلة. كانت الزيارة بمثابة رسالة سياسية قوية إلى العالم: المغرب وطن واحد غير قابل للتجزئة، وسيد قراره، رغم وجود أنظمة استعمارية مختلفة تتحكم في أراضيه.

وقد ألقى السلطان الراحل خطاباً تاريخياً في "حديقة المندوبية" بطنجة، بحضور آلاف المواطنين المغاربة، أكد فيه على وحدة الأمة المغربية تحت قيادة العرش العلوي، مطالباً بالاستقلال والسيادة الوطنية، ومحذراً من محاولات التفريق بين مناطق المغرب. الخطاب حمل نَفَس الوحدة الوطنية، كما أكّد انخراط المغرب في بناء علاقات دولية قائمة على احترام السيادة والمساواة.

ورغم المجزرة المروعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الفرنسي بمدينة الدار البيضاء عشية الرحلة، فإن محمد الخامس أصرّ على إتمامها، في مشهد بطولي رسّخ مكانته كرمز للمقاومة، ورسّخ الزيارة كمنعطف مفصلي في تطور الحركة الوطنية المغربية.

عودة إلى تطوان 1956: لحظة إعلان الوحدة الترابية

بعد تسع سنوات من زيارة طنجة، عاد محمد الخامس ليجدد العهد مع التاريخ في 9 أبريل 1956، ولكن هذه المرة إلى تطوان، عاصمة منطقة الشمال، قادماً من إسبانيا، حيث أعلن من هناك عن استقلال المنطقة الشمالية واندماجها في الوطن الأم.

كان الاستقبال الأسطوري الذي حظي به محمد الخامس من قبل سكان تطوان وعموم الشمال بمثابة احتفال وطني شامل، عكست فيه الجماهير الشعبية فرحتها العارمة بعودة المنطقة إلى حضن الدولة المغربية بعد عقود من السيطرة الإسبانية.

في خطاب العرش الذي ألقاه بالمناسبة، أكد محمد الخامس أن معركة الاستقلال لم تكن فقط لاسترجاع التراب، بل كانت أيضاً معركة من أجل الكرامة والعدالة والتنمية. وهكذا اكتمل، في هذه اللحظة التاريخية، أحد أهم أركان البناء الوطني بعد الاستقلال السياسي.

رمزية 9 أبريل: وحدة الملك والشعب

لا يمكن الحديث عن 9 أبريل دون التذكير بأن اللحظتين التاريخيتين تمثلان أسمى تعبير عن تلاحم العرش العلوي بالحركة الوطنية والشعب المغربي. فقد لعبت زيارة طنجة دوراً محورياً في تسريع وتيرة الحراك الوطني المطالب بالاستقلال، بينما مثلت عودة تطوان تتويجاً لجهود مشتركة، كُلّلت باسترجاع السيادة على مجموع التراب الوطني.

هذان الحدثان أكّدا أن التحرر السياسي لم يكن فقط بفضل المفاوضات والضغوط الدبلوماسية، بل أيضاً ثمرة تضحيات جسام قدمها المقاومون والفدائيون والوطنيون في كل أنحاء البلاد، تحت القيادة الرشيدة لجلالة محمد الخامس، الذي استطاع أن يُلهم شعباً بأكمله على مدى سنوات النضال.

دروس الماضي...رسائل للحاضر والمستقبل

في سياق التحولات الإقليمية والدولية، تظل ذكرى 9 أبريل محطة لإعادة التأمل في دروس التاريخ: كيف يمكن للتلاحم بين القيادة والشعب أن يصنع المعجزات؟ وكيف يمكن للإرادة الوطنية الصلبة أن تتغلب على الاستعمار، مهما تنوعت أشكاله؟ وهي أيضاً مناسبة لتجديد التأكيد على أن قضية الوحدة الترابية للمملكة تظل خطاً أحمر لا يقبل المساومة، من الصحراء إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب.

وإذ يخلد المغاربة هذه الذكرى اليوم، فإنهم يجددون العهد على مواصلة مسيرة التنمية والدفاع عن السيادة الوطنية، بنفس الروح التي قاد بها محمد الخامس نضاله من أجل الاستقلال، والتي واصلها الحسن الثاني، ويقودها اليوم الملك محمد السادس، الذي جعل من الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى ركيزة في السياسة الداخلية والخارجية للمملكة.

9 أبريل ليس مجرد تاريخ إنه عنوان للكرامة الوطنية

بين طنجة وتطوان، وبين 1947 و1956، سُطّرت فصول من تاريخ المغرب الحديث بمداد الفخر والإصرار. اليوم، وبينما ترفع الأعلام وتُستحضر الخطب والمواقف البطولية، يُدرك المغاربة أن 9 أبريل هو أكثر من مجرد ذكرى؛ إنه درس متجدد في معنى السيادة، وفي كلفة الحرية، وفي قدرة شعب على الوقوف صفاً واحداً خلف ملكه في وجه كل التحديات.


لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك