أنتلجنسيا المغرب:رئاسة النشر
يعيش المواطن المغربي على وقع أزمات اقتصادية متلاحقة، حيث ارتفعت الأسعار بشكل غير مسبوق، مما جعل تكلفة المعيشة تثقل كاهل الأسر، خاصة الفئات الهشة التي فقدت القدرة على مجاراة الغلاء.
ورغم تعهدات الحكومة بتحسين الأوضاع وتوفير فرص الشغل، إلا أن الواقع يشير إلى العكس، حيث تتزايد معدلات البطالة، وتتراجع القدرة الشرائية، في ظل انعدام سياسات اجتماعية فعالة تحمي الفئات الهشة من السقوط في دوامة الفقر المدقع.
في خضم هذا الوضع المتأزم، أقدمت الحكومة على إلغاء نظام "راميد"، الذي كان يوفّر تغطية صحية مجانية لملايين المغاربة، واستبدلته بنظام التأمين الإجباري عن المرض، الذي أصبح عبئًا إضافيًا على المواطنين، خاصة الفئات التي كانت تستفيد مجانًا من خدمات العلاج.
هذه الخطوات زادت من حالة الاحتقان الاجتماعي، ورفعت من منسوب الغضب الشعبي تجاه السياسات الحكومية التي يرى الكثيرون أنها تفتقد للحلول الجذرية وتكتفي بالمسكنات.
"قفة جود".. مساعدة إنسانية أم وسيلة لشراء الولاءات؟
وسط هذه الظروف الصعبة، برزت من جديد مبادرة "قفة جود"، التي أطلقتها مؤسسة "جود" المملوكة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، حيث يتم توزيع مساعدات غذائية على الأسر المحتاجة.
ورغم أن الفكرة تبدو في ظاهرها عملاً خيرياً، إلا أن توقيتها ومصدرها أثارا الكثير من الجدل، خاصة أن هذه المساعدات تأتي في وقت يستعد فيه المغرب لدخول مرحلة سياسية حساسة مع اقتراب انتخابات 2026.
ويطرح العديد من المراقبين تساؤلات حول ما إذا كانت "قفة جود" مجرد مبادرة إنسانية خالصة، أم أنها تُستغل كأداة لامتصاص الغضب الشعبي وكسب التعاطف الانتخابي، خاصة أن القفة التي تحتوي على مواد غذائية بالكاد تكفي لمدة 15 يومًا، لا تمثل حلاً حقيقيًا للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون.
انتقادات لاذعة واستغلال مكشوف للفقر
واجهت هذه المبادرة انتقادات واسعة من قبل المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، حيث اعتبرت العديد من الجهات أن توزيع المساعدات الغذائية من طرف مؤسسة مقربة من رئيس الحكومة، في ظل تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، يعد استغلالاً واضحًا للفقر، ومحاولة للالتفاف على المطالب الحقيقية التي تتعلق بتحسين ظروف العيش، وخلق فرص الشغل، وضبط الأسعار.
ورأى البعض أن الحكومة، بدلاً من البحث عن حلول مستدامة للفقر والتهميش، اختارت أسلوب "الصدقة السياسية"، الذي لا يقدم حلولًا حقيقية،
بل يستغل معاناة الفقراء لضمان استمرار النفوذ السياسي، وهو ما يعكس ضعف الخيارات الحكومية وعجزها عن تقديم بدائل تنموية فعلية.
هل سيؤثر هذا التوجه على الانتخابات المقبلة؟
مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، يبرز سؤال محوري: هل سينجح هذا النوع من المبادرات في إعادة كسب تأييد المواطنين؟ أم أن الشعب المغربي أصبح أكثر وعيًا بهذه الأساليب ولن يقبل باستبدال حقوقه الاجتماعية بقفة غذائية لا تسمن ولا تغني من جوع؟
التجارب السابقة أثبتت أن وعي الناخبين يتزايد، وأنهم لم يعودوا يقبلون بالوعود المؤقتة والمساعدات الموسمية كبديل عن إصلاحات حقيقية تُحسن أوضاعهم المعيشية.
لذلك، فإن اعتماد الحكومة على هذه المقاربة قد يكون سلاحًا ذا حدين، قد ينقلب عليها إذا استشعر المواطنون أن الهدف ليس تحسين ظروفهم، بل فقط استغلالهم انتخابيًا.
الحل في سياسات تنموية حقيقية وليس في "قفة مؤقتة"
يحتاج المغرب اليوم إلى سياسات اقتصادية واجتماعية عميقة، تعالج جذور الأزمة بدل الاكتفاء بحلول ترقيعية.
فبدلاً من تقديم "القفف الغذائية"، تحتاج الحكومة إلى وضع استراتيجيات فعالة للنهوض بالتشغيل، وضبط الأسعار، وضمان الولوج العادل للصحة والتعليم، وإعادة الثقة للمواطن في مؤسساته.
أما إذا استمرت هذه السياسات المبنية على توزيع المساعدات الموسمية، فإنها لن تؤدي إلا إلى تعميق الأزمة، وزيادة الاحتقان الاجتماعي، مما قد يجعل الحكومة في موقف حرج خلال الانتخابات المقبلة، حيث قد يدرك المواطن أن "قفة جود" ليست إلا محاولة لتجميل صورة تآكلت بفعل سياسات فاشلة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك