أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
تعيش الأوساط السياسية والعسكرية في إسبانيا حالة من الترقب والتوجس، بعد التقارير المتزايدة حول احتمال دعم الولايات المتحدة للمغرب في مساعيه لاسترجاع مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين.
ووفقًا لما أوردته جريدة "El Español" الإسبانية، فإن هناك مخاوف جدية من تكرار سيناريو الصحراء المغربية، حيث اعترفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسيادة المغرب على صحرائه عام 2020، وهو ما قد يتكرر مع المدينتين السليبتين.
هاجس مسيرة خضراء ثانية
تشير الصحيفة الإسبانية إلى أن المخاوف في مدريد لا تقتصر على الاعتراف الدبلوماسي الأمريكي بمغربية المدينتين، بل تمتد إلى إمكانية إقدام المغرب على تنظيم "مسيرة خضراء ثانية" على غرار المسيرة الأولى التي استرجع بها أقاليمه الصحراوية عام 1975.
وتعتقد بعض الدوائر السياسية في إسبانيا أن المغرب، الذي يتبنى استراتيجية هادئة وحاسمة في استرجاع أراضيه، قد يلجأ إلى تعبئة جماهيرية سلمية للضغط على إسبانيا.
وتستند هذه المخاوف إلى معطيات جيوسياسية عديدة، أبرزها تعاظم النفوذ المغربي في المنطقة، وتعزيز تحالفاته الاستراتيجية مع قوى كبرى، لا سيما الولايات المتحدة، التي باتت تعتبر المغرب شريكًا رئيسيًا في شمال إفريقيا، سواء في مجال التعاون العسكري أو الاقتصادي أو الأمني.
التحالف المغربي الأمريكي..نقطة تحول
منذ اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء، شهدت العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة تطورًا غير مسبوق، خاصة في المجال العسكري.
وتم تعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين من خلال مناورات مشتركة وتوسيع القواعد العسكرية في المغرب، فضلًا عن الشراكة في مشاريع كبرى تهم الصناعات الدفاعية والطاقة والتكنولوجيا.
وترى مدريد في هذا التقارب تهديدًا مباشرًا لمصالحها في المنطقة، إذ تخشى أن تستغل الرباط هذا التحالف للضغط دبلوماسيًا على إسبانيا من أجل الجلوس إلى طاولة المفاوضات بخصوص سبتة ومليلية، أو حتى التمهيد لاعتراف أمريكي رسمي بمغربية المدينتين، وهو السيناريو الذي قد يغير موازين القوى تمامًا.
ردود الفعل في إسبانيا..قلق متزايد
تتعامل الدوائر الإسبانية بحذر شديد مع أي مستجد يتعلق بالعلاقات المغربية الأمريكية، حيث ارتفعت أصوات في البرلمان الإسباني تطالب الحكومة بضرورة "التحرك الاستباقي" لمواجهة أي خطوة قد تؤدي إلى خسارة السيطرة على سبتة ومليلية.
وتسعى مدريد إلى تعزيز وجودها العسكري في المدينتين عبر نشر مزيد من القوات وتطوير البنية التحتية الأمنية. كما تحاول الضغط على الاتحاد الأوروبي لضمان موقف موحد ضد أي تحركات مغربية محتملة، إلا أن الوضع يبدو أكثر تعقيدًا بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إسبانيا، والتي تجعلها أقل قدرة على مواجهة تحديات سياسية جديدة.
المغرب يتبع استراتيجية الصبر الدبلوماسي
رغم التحركات الإسبانية، يواصل المغرب سياسة "الصبر الاستراتيجي"، مستغلًا أوراقه القوية على الساحة الدولية، بما في ذلك موقعه الجيوسياسي كشريك رئيسي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلًا عن نجاحاته الدبلوماسية الأخيرة التي عززت موقفه في ملف الصحراء.
ويبدو أن الرباط تراهن على استمرار الضغط الدبلوماسي والاقتصادي، مستندة إلى الموقف الأمريكي الذي قد يتطور في أي لحظة نحو دعم مغربية سبتة ومليلية، خاصة إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض في الانتخابات المقبلة، وهو السيناريو الذي تتخوف منه إسبانيا بشدة.
هل نحن أمام مرحلة جديدة في الصراع على سبتة ومليلية؟
مع تصاعد التوترات والمخاوف الإسبانية، يبدو أن ملف سبتة ومليلية قد دخل مرحلة جديدة، حيث بات المغرب في موقع أكثر قوة وقدرة على فرض شروطه، سواء عبر التحركات الدبلوماسية أو التفاهمات الدولية مع القوى الكبرى.
وفي ظل التغيرات الجيوسياسية الحاصلة، قد لا يكون اعتراف واشنطن بمغربية المدينتين مجرد فرضية بعيدة، بل احتمالًا واردًا قد يغير معادلة القوة في المنطقة، وهو ما يفسر حالة القلق والتوجس التي تعيشها إسبانيا اليوم.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك