أنتلجنسيا المغرب:رئاسة التحرير
في تصريح مثير للجدل، قال الناشط الجزائري سعيد بنسديرة، إن النظام الجزائري "كان في حالة سُكر" عندما قرر قطع علاقاته مع إسبانيا، في إشارة إلى ما وصفه بالعشوائية والارتجالية في اتخاذ القرارات الكبرى التي تؤثر على مستقبل البلاد.
هذا التصريح فتح الباب أمام نقاش واسع حول تداعيات هذا القرار، وهل كان بالفعل في صالح الجزائر أم أنه مجرد خطوة أخرى ضمن سلسلة من الأخطاء الدبلوماسية التي عزلت البلاد عن شركائها التقليديين؟
القضية التي فجّرت الأزمة
اندلعت الأزمة بين الجزائر وإسبانيا في مارس 2022، عندما أعلنت حكومة بيدرو سانشيز دعمها لمقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب كحل نهائي لنزاع الصحراء المغربية. اعتبرت الجزائر هذا الموقف "خيانة"، فقررت بشكل مفاجئ تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع مدريد، ثم فرضت قيودًا اقتصادية غير مسبوقة على الشركات الإسبانية.
لكن بعد مرور أكثر من عامين على هذا القرار، تبرز أسئلة جوهرية: ماذا استفادت الجزائر من هذه القطيعة؟ هل حققت مكاسب سياسية أو اقتصادية؟ أم أن القرار كان مجرد رد فعل انفعالي كلف البلاد خسائر باهظة دون أي عائد حقيقي؟
الخسائر الاقتصادية..الجزائر تعاقب نفسها؟
على المستوى الاقتصادي، تضررت الجزائر أكثر مما أضرت إسبانيا. فقد كانت مدريد واحدة من أهم الشركاء التجاريين للجزائر، خصوصًا في قطاع الطاقة، حيث كانت تعتمد بشكل كبير على الغاز الجزائري. لكن بعد الأزمة، عملت إسبانيا على تنويع مصادرها الطاقية، لتتحول نحو الغاز الأمريكي والقطري، مما أدى إلى فقدان الجزائر جزءًا من حصتها في السوق الأوروبية.
في المقابل، خسرت الشركات الجزائرية شريكًا استراتيجيًا، حيث كانت الصادرات الجزائرية نحو إسبانيا تشمل قطاعات متنوعة، من الزراعة إلى الصناعات التحويلية. ومع إغلاق هذا الباب، اضطر رجال الأعمال الجزائريون للبحث عن أسواق جديدة، في وقت تعاني فيه البلاد من تحديات اقتصادية متزايدة.
عزلة دبلوماسية متزايدة
إلى جانب الخسائر الاقتصادية، ساهم القرار في تعميق عزلة الجزائر دبلوماسيًا. فقد أكدت إسبانيا موقفها بخصوص الصحراء المغربية، واستمرت في تعزيز علاقاتها مع المغرب، بينما بقيت الجزائر خارج المعادلة. والأسوأ من ذلك، أن شركاء الجزائر في الاتحاد الأوروبي لم يتضامنوا معها، بل التزموا الصمت أو دعموا مدريد بشكل غير مباشر.
أما المغرب، فقد استفاد من هذا التحول، حيث عزز شراكته الاستراتيجية مع إسبانيا في مختلف المجالات، بما في ذلك الأمن والطاقة والتجارة، بينما وجدت الجزائر نفسها في موقف ضعيف، غير قادرة على التأثير في القرار الإسباني.
هل كان قرارًا مدروسًا أم مجرد "حماقة دبلوماسية"؟
تصريحات سعيد بنسديرة، وإن كانت ساخرة، تعكس إحساسًا عامًا داخل الجزائر بأن القرارات الكبرى تُتخذ بطريقة غير مدروسة، دون تقييم دقيق للعواقب. فمنذ تولي عبد المجيد تبون الرئاسة، اتخذ النظام سلسلة من القرارات المفاجئة، من قطع العلاقات مع المغرب إلى وقف التعاون مع إسبانيا، مما جعل الجزائر تبدو وكأنها تتحرك بردود فعل غاضبة بدلًا من تبني استراتيجيات طويلة الأمد.
هل حان وقت مراجعة القرار؟
في ظل هذه المعطيات، تطرح عدة أصوات داخل الجزائر تساؤلات حول جدوى استمرار القطيعة مع إسبانيا. فمع تغير الديناميكيات الدولية، يبدو أن الجزائر بحاجة إلى إعادة تقييم علاقاتها الخارجية على أسس أكثر واقعية، بعيدًا عن النزعات الشعبوية التي لم تحقق أي مكاسب ملموسة.
ربما كان من الأفضل للنظام الجزائري أن يسلك طريق الدبلوماسية بدلًا من اتخاذ قرارات متسرعة، لكن السؤال الأهم اليوم هو: هل تمتلك الجزائر الشجاعة السياسية لمراجعة هذا القرار، أم أنها ستواصل سياسة العناد رغم كل الخسائر؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك