أنتلجنسيا المغرب:أبو جاسر
رغم التحسن الملحوظ في العلاقات المغربية الإسبانية خلال السنوات الأخيرة، والذي تجلى في الموقف الإسباني الداعم لمقترح الحكم الذاتي للصحراء المغربية، لا يزال ملف تسليم المجال الجوي للأقاليم الجنوبية من طرف إسبانيا يشكل نقطة خلافية عالقة، تثير تساؤلات عدة حول حقيقة التزام مدريد بشراكتها الاستراتيجية مع الرباط.
فبعدما بدا أن البلدين يسيران نحو تعاون أكثر عمقًا في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، يظل الإبقاء على المجال الجوي للصحراء تحت سيطرة مدريد علامة استفهام كبيرة تُلقي بظلالها على العلاقات الثنائية.
إسبانيا والموقف الجديد..دعم سياسي أم نصف خطوة؟
في مارس 2022، أعلنت إسبانيا بشكل رسمي دعمها لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، معتبرة إياه "الحل الأكثر جدية ومصداقية" لحل نزاع الصحراء. كان هذا التحول الكبير إشارة قوية على انتهاء عقود من الغموض الإسباني تجاه هذه القضية، مما انعكس إيجابيًا على العلاقات الثنائية، حيث شهدت انتعاشًا اقتصاديًا ودبلوماسيًا غير مسبوق. لكن في المقابل، لم ترافق هذه الخطوة إجراءات عملية حقيقية تعزز السيادة المغربية على كافة المستويات، بما فيها السيادة الجوية.
إلى حدود اليوم، لا يزال المجال الجوي للأقاليم الجنوبية المغربية خاضعًا لسيطرة إسبانيا، التي تديره عبر مركز المراقبة الجوية بجزر الكناري، وهو وضع يعود إلى الحقبة الاستعمارية ولم يتم تصحيحه رغم مرور عقود على استرجاع المغرب لأقاليمه الصحراوية.
لماذا لا تزال إسبانيا تحتفظ بالسيطرة على الأجواء الصحراوية؟
هناك عدة تفسيرات لاستمرار هذا الوضع، بعضها يتعلق باعتبارات تقنية وأخرى تتصل بعوامل سياسية واستراتيجية.
الجانب التقني واللوجستي
إسبانيا تبرر استمرار إدارتها للمجال الجوي للصحراء بأن مركز المراقبة الجوية في جزر الكناري هو الأكثر تطورًا وتأهيلاً لمراقبة وتنظيم الحركة الجوية في المنطقة. لكنها في الواقع حجة ضعيفة، لأن المغرب يمتلك اليوم بنية تحتية متطورة في مجال المراقبة الجوية، ويشرف على تنظيم حركة الطيران في مختلف أقاليمه، فلماذا يُستثنى المجال الجوي للصحراء من ذلك؟
المصالح الاستراتيجية لإسبانيا
البعض يرى أن إسبانيا تتلكأ في تسليم الأجواء المغربية الجنوبية للحفاظ على نفوذها الاستراتيجي في المنطقة، خصوصًا أن المجال الجوي الصحراوي يُعتبر بوابة نحو عمق إفريقيا، وهو ما يمنح مدريد امتيازًا جيوسياسيًا لا تريد التفريط فيه بسهولة.
ضغوطات خارجية أوروبية ودولية
هناك من يربط استمرار الوضع الحالي بتأثيرات داخل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حيث قد يكون هناك لوبيات ضغط تعمل على إبقاء السيطرة الإسبانية على المجال الجوي للصحراء، ربما في سياق سياسات المساومة والابتزاز غير المعلنة تجاه المغرب.
المغرب يطالب باستعادة سيادته الجوية
مع التطورات الإيجابية في العلاقات المغربية الإسبانية، أصبح ملف المجال الجوي مطروحًا بقوة على طاولة المفاوضات. المغرب، الذي استطاع انتزاع اعترافات دولية بمغربية الصحراء، بات اليوم أكثر إصرارًا على استكمال سيادته على كافة ترابه، براً وبحراً وجواً.
وفي هذا السياق، بدأت الدبلوماسية المغربية الضغط بشكل أكثر وضوحًا على مدريد لإنهاء هذا الوضع غير الطبيعي، باعتبار أن استمرار إدارة إسبانيا للأجواء الصحراوية أمر غير مبرر ولا يخدم علاقات حسن الجوار والشراكة الاستراتيجية.
هل تخشى إسبانيا من فقدان امتيازاتها؟
إسبانيا تدرك أن المغرب لم يعد يقبل بأنصاف الحلول، وأن ملف المجال الجوي للصحراء لم يعد مجرد قضية تقنية، بل أصبح مسألة سيادة وطنية. لكن السؤال المطروح: لماذا لا تحسم مدريد الموقف بشكل واضح وتُنهي هذا الملف العالق؟
هل تخشى من أن يؤدي ذلك إلى تقليص نفوذها الاستراتيجي في المنطقة؟
هل هناك ضغوط خفية تمارس عليها من أطراف أوروبية أو دولية؟
هل تسعى إلى استخدام هذا الملف كورقة تفاوضية في المستقبل لمصالح اقتصادية أو جيوسياسية؟
متى تحسم مدريد موقفها؟
إذا كانت إسبانيا قد خطت خطوة كبيرة باعترافها بمغربية الصحراء، فإن استمرارها في إدارة المجال الجوي لأقاليم الجنوب يُظهر أن التزامها لا يزال غير مكتمل. فالعلاقات بين البلدين لا يمكن أن تبقى رهينة بنصف مواقف، بل يجب أن تسير نحو حسم كل القضايا العالقة بما يخدم شراكة متوازنة قائمة على الاحترام الكامل لسيادة المغرب.
المغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، واستعادة المجال الجوي للأقاليم الصحراوية باتت مسألة وقت لا أكثر. الكرة الآن في ملعب إسبانيا، فإما أن تحسم موقفها بما ينسجم مع التزاماتها الجديدة، أو تظل عالقة في حسابات قد تعود عليها بنتائج عكسية في المستقبل.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك