أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
ظل توحيد مكونات اليسار في المغرب، حلمًا يراود العديد من الفاعلين السياسيين منذ سنوات، لكنه يصطدم دائمًا بجملة من العوائق التي تعرقل تحقيقه.
وعلى رأس هذه العوائق، يبرز ملف الصحراء المغربية كشرط أساسي لا يمكن تجاوزه، حيث يعتبره البعض الاختبار الحقيقي لمدى جدية أي مبادرة تهدف إلى توحيد صفوف اليسار المغربي.
ففي وقت بات فيه الموقف من قضية الصحراء معيارًا وطنيًا حاسمًا، تظهر بعض الأصوات داخل اليسار المغربي بمواقف مترددة أو غير واضحة، مما يثير تساؤلات حول مدى التزامها بالثوابت الوطنية.
فهل يمكن تحقيق وحدة اليسار دون موقف موحد وثابت من القضية الوطنية الأولى؟ أم أن أي تحالف يتجاوز هذه النقطة سيكون مجرد مناورة سياسية لا تخدم سوى المصالح الضيقة لبعض الفاعلين؟
الصحراء المغربية..خط أحمر في أي مشروع وحدوي
لم تعد قضية الصحراء، مجرد ملف سياسي عادي، بل أصبحت المعيار الأول الذي يُقاس به مدى وطنية أي حزب أو تيار سياسي.
وفي ظل التحولات الدولية والإقليمية، بات مطلوبًا من كل الفاعلين الحسم في مواقفهم، بعيدًا عن الخطابات الفضفاضة التي قد تترك الباب مفتوحًا أمام التأويلات والازدواجية في التعامل مع هذا الملف.
وفي هذا السياق، يرى العديد من المتابعين أن أي مشروع لتوحيد اليسار دون موقف موحد وواضح من قضية الصحراء، لن يكون سوى مغامرة سياسية غير محسوبة العواقب.
فكيف يمكن تصور جبهة يسارية موحدة، في حين أن بعض مكوناتها ما زالت تتبنى قراءات ضبابية أو تحاول إرضاء بعض الجهات الخارجية؟
الأحزاب اليسارية..تباينات في المواقف أم صراع أجندات؟
عند الحديث عن اليسار في المغرب، نجد أن مكوناته تتوزع بين أحزاب تقليدية مثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التقدم والاشتراكية، فيدرالية اليسار، وبين قوى أخرى ذات توجهات أكثر راديكالية. وبين هذه التيارات، تختلف المواقف من ملف الصحراء بين الوضوح التام، الغموض، أو حتى بعض المواقف المتذبذبة التي تثير الجدل.
الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية: يقدمان نفسيهما كأحزاب يسارية ذات توجه وطني واضح فيما يتعلق بالصحراء المغربية.
وقد أكدا في أكثر من مناسبة دعمهما الكامل للوحدة الترابية للمملكة، كما شاركا في مختلف المبادرات الدبلوماسية لتعزيز الموقف المغربي دوليًا.
فيدرالية اليسار الديمقراطي: رغم مواقفها المؤيدة للوحدة الترابية، فإن بعض التصريحات التي تصدر عن أفراد محسوبين عليها تخلق أحيانًا جدلًا حول مدى وضوح موقفها من الصحراء، خصوصًا فيما يتعلق بتعاطيها مع ملف الحكم الذاتي.
أحزاب وتيارات أخرى: هناك فصائل محسوبة على اليسار تتبنى مواقف أكثر رمادية، حيث تحاول مسك العصا من الوسط، عبر تبني لغة حقوقية فضفاضة قد يُفهم منها أحيانًا نوع من الحياد السلبي، وهو ما يثير الشكوك حول مدى التزامها بالثوابت الوطنية.
الوحدة أم الاصطفاف خلف الأجندات الخارجية؟
يرى بعض المراقبين أن عدم وضوح موقف بعض الأحزاب اليسارية من قضية الصحراء قد يكون مرتبطًا بتأثيرات خارجية، حيث تسعى بعض الجهات إلى استخدام ملف الصحراء كورقة ضغط على القوى السياسية داخل المغرب.
فاليسار المغربي، الذي لطالما كانت له امتدادات خارجية من خلال الحركات اليسارية العالمية، يجد نفسه أحيانًا في وضعية معقدة بين الدفاع عن القضية الوطنية وبين إرضاء جهات دولية لا تتبنى بالضرورة نفس الطرح المغربي.
وفي هذا الصدد، يعتبر العديد من المتابعين أن أي مبادرة توحيدية لليسار لا تأخذ بعين الاعتبار ضرورة الاصطفاف التام خلف الوحدة الترابية، ما هي إلا مناورة سياسية تهدف إلى تحقيق مكاسب ظرفية دون رؤية استراتيجية واضحة.
هل ما زال توحيد اليسار ممكنًا؟
في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الجوهري: هل يمكن الحديث عن توحيد اليسار في ظل غياب موقف موحد من الصحراء المغربية؟
يرى البعض أن الشرط الأساسي لأي وحدة حقيقية هو التزام جميع المكونات بموقف واضح وصريح، بعيدًا عن لغة المراوغة أو المواقف الرمادية التي قد تُضعف المشروع برمته.
في المقابل، يرى آخرون أن وحدة اليسار يجب أن تستند إلى مبادئ ديمقراطية داخلية تتيح النقاش حول مختلف القضايا، بما فيها الصحراء، دون فرض مواقف محددة مسبقًا.
لكن هذا الطرح يظل محفوفًا بالمخاطر، خاصة إذا أدى إلى تحالفات هشة سرعان ما تنهار أمام أول اختبار سياسي حقيقي.
إما موقف وطني واضح أو مشروع فاشل
يبدو أن كل المبادرات لتوحيد اليسار في المغرب مرهونة بقدرة هذه الأحزاب على اتخاذ موقف واضح لا لبس فيه من قضية الصحراء. فالوحدة التي تُبنى على تناقضات داخلية لا يمكن أن تصمد، بل ستكون مجرد تحالف هش سرعان ما يتهاوى أمام أول خلاف جوهري.
وإذا كان البعض يرى أن تجاوز هذا الملف ضروري لتحقيق الوحدة، فإن الواقع السياسي المغربي يؤكد أن قضية الصحراء لم تعد مجرد نقطة خلافية، بل أصبحت المعيار الأساسي لقياس مدى جدية أي مشروع سياسي.
وبالتالي، فإن أي محاولة لتجاوز هذا الشرط أو الالتفاف عليه لن تكون سوى مناورة خاسرة وغير مسؤولة، لن تؤدي إلا إلى مزيد من التشتت داخل الصف اليساري.
في النهاية، الكرة في ملعب الأحزاب اليسارية نفسها، فإما أن تتبنى موقفًا وطنيًا صريحًا وتعمل على بناء وحدة حقيقية تخدم المغرب وشعبه، أو أن تظل أسيرة الخلافات الداخلية والمواقف المتذبذبة، لتبقى مجرد أطياف سياسية تبحث عن الشرعية دون امتلاك رؤية واضحة للمستقبل.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك