أنتلجنسيا المغرب:رئاسة التحرير
في الوقت الذي تصدح فيه أصوات العديد من الجمعيات النسائية المغربية مطالبة بتعديل مدونة الأسرة وتحقيق المساواة في الإرث، تُطرح تساؤلات ملحة حول غيابها شبه التام عن ملفات النساء العاملات في القطاعات الهشة مثل معامل الكابلاج، الخياطة، والفلاحة.
هذه الفئات تواجه يوميًا واقعًا قاسيًا مليئًا بالاستغلال، في ظل ظروف عمل صعبة ورواتب لا تسد الرمق، ومع ذلك، لا تجد أصواتًا تدافع عنها بحماس يوازي الحراك المرتبط بقضايا النخبة.
قضايا النخبة أم أولويات وطنية؟
لا أحد ينكر أهمية المطالب المتعلقة بمدونة الأسرة والمساواة في الإرث، فهي ملفات تستحق النقاش والتحديث بما يتماشى مع تطلعات المجتمع. لكن، يبدو أن التركيز المفرط على هذه القضايا قد ألقى بظلاله على قضايا جوهرية تمس الفئات العريضة من النساء العاملات اللواتي يعانين بصمت داخل معامل مكتظة أو حقول شاسعة.
في معامل الكابلاج، التي تُعد شريانًا اقتصاديًا للمغرب، تعمل آلاف النساء في بيئة تُوصف غالبًا بأنها قريبة من الاستعباد. ساعات طويلة من العمل الشاق بأجور زهيدة، وغياب شبه تام لإجراءات السلامة والصحة المهنية، ومع ذلك لا تجد هؤلاء النسوة من يرفع صوتهن في وجه أرباب العمل أو يدافع عن حقهن في بيئة عمل لائقة.
الوضع لا يختلف كثيرًا في قطاع الخياطة، حيث تُحاصر العاملات بين آلات الحياكة وأهداف الإنتاج الضاغطة، دون أي اعتبار لحقوقهن الأساسية. أما في القطاع الفلاحي، فالنساء العاملات في الحقول يتحملن عبء العمل الشاق تحت أشعة الشمس الحارقة، مقابل أجور هزيلة لا تغطي حتى تكاليف التنقل، ناهيك عن غياب أي ضمان اجتماعي أو صحي يحميهن من غدر الزمن.
ازدواجية المعايير في الحراك النسائي
تُبرز هذه المعاناة تساؤلات عميقة حول ازدواجية المعايير لدى العديد من الجمعيات النسائية. لماذا يتم التركيز على قضايا تشريعية تخص جزءًا محدودًا من النساء، بينما تُهمل المشاكل المعيشية اليومية التي تؤثر على ملايين المغربيات؟
يرى بعض المراقبين أن هذا التوجه يعكس أولويات نُخبوية بعيدة عن الواقع، حيث تنشغل العديد من الجمعيات بقضايا تتيح لها الظهور في المنصات الدولية وجذب التمويل الأجنبي، بينما تفتقر إلى خطة عمل ميدانية تُلامس معاناة النساء في الطبقات الكادحة.
الواقع القانوني والاجتماعي لنساء القطاعات الهشة
تواجه النساء العاملات في القطاعات الهشة غيابًا شبه كامل للحماية القانونية. معظمهن يعملن دون عقود تضمن لهن حقوقهن، ودون أي شكل من أشكال التأمين الاجتماعي أو الصحي. بل إن بعض التقارير أشارت إلى انتهاكات جسيمة مثل التحرش والاستغلال الجنسي داخل هذه الأوساط، وهو ما يجعل الحاجة للدفاع عنهن أمرًا ملحًا.
على الصعيد الحكومي، لم تُظهر السياسات المتبعة حتى الآن أي نية جادة لمعالجة هذه الأوضاع. فبدلاً من فرض رقابة صارمة على أرباب العمل وضمان احترام القوانين، تُترك هؤلاء النساء عرضة للاستغلال، في وقت تتوالى فيه شعارات تمكين المرأة دون أي أثر ملموس على أرض الواقع.
هل من أمل لتغيير الأولويات؟
يُطالب العديد من المهتمين بقضايا المرأة الجمعيات النسائية بمراجعة أجندتها وتوسيع دائرة اهتماماتها لتشمل القضايا المعيشية التي تهم الفئات الكادحة. فلا يمكن تحقيق تمكين حقيقي للمرأة دون ضمان حقوق العاملات في القطاعات الهشة، فهن العمود الفقري للعديد من القطاعات الإنتاجية في المغرب.
إن الدفاع عن مدونة الأسرة والمساواة في الإرث لا ينبغي أن يكون على حساب حقوق النساء العاملات اللواتي يعشن في ظروف قاسية. المطلوب اليوم هو خطاب أكثر شمولية وعدالة، يُعيد ترتيب الأولويات بناءً على الاحتياجات الفعلية للنساء المغربيات، وليس على أساس ما يثير الاهتمام الدولي أو يلائم أجندات محددة.
ختامًا، إذا كان الهدف الحقيقي للحراك النسائي في المغرب هو تحقيق العدالة والمساواة، فلا بد أن تكون العاملات في الكابلاج والخياطة والحقول في صدارة الأولويات، لأن تمكين المرأة يبدأ من تمكينهن، حيث تُصنع الأمل على أيديهن، رغم معاناتهن.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك