ديكريبتاج / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:
أنتلجنسيا مغربنا 1-Maghribona 1
منذ إطلاق الحكومة لاستراتيجية "المغرب الرقمي 2030"، تتجه الأنظار مرة أخرى نحو هذا المشروع الضخم، الذي من المفترض أن ينقل المغرب إلى مصاف الدول الرقمية الكبرى.
لكن على الرغم من الشعارات التي تُرفع حول تحوّل رقمي شامل، لا يمكننا تجاهل دروس الماضي وتجربة "المغرب الرقمي 2009-2013" التي انتهت بمليارات مُهدرة دون تحقيق الأهداف المرجوة. فهل نحن أمام حلقة جديدة من مسلسل الهدر المالي، أم أن هناك رؤية حقيقية هذه المرة لتحقيق نقلة نوعية في المجال الرقمي؟
في الوقت الذي تروج الحكومة بأن "المغرب الرقمي 2030" سيُحدث تحولًا نوعيًا في بنية الإدارة والاقتصاد المغربي، يبدو أن هذا البرنامج يأخذ طابعًا سياسيًا أكثر من كونه مشروعًا اقتصاديًا أو تنمويًا. فكل حكومة جديدة تسعى إلى التباهي بإطلاق استراتيجيات طموحة، دون أن تكون هناك قراءة نقدية للمشاريع السابقة، ودون محاسبة واضحة لمن أخفق في تنفيذ تلك المشاريع. يبدو أن الاستراتيجيات الرقمية في المغرب قد تحولت إلى أدوات سياسية لتلميع الصورة، أكثر منها إلى برامج جادة للتنمية.
المجلس الأعلى للحسابات سبق وأن أصدر تقريرًا مفصلًا حول اختلالات استراتيجية "المغرب الرقمي 2009-2013"، موضحًا غياب الشفافية في توزيع الميزانية الضخمة، حيث تم توجيه أكثر من 83% من المبالغ المرصودة لصالح أولويتين فقط: "التحول الاجتماعي" و"الخدمات العامة"، فيما لم تحظَ بقية الأولويات سوى بالقليل من الموارد، ما أدى إلى عدم تحقيق التوازن في تنفيذ الاستراتيجية.
الأسئلة التي تطرح نفسها اليوم: كيف سيتم تجنب نفس الاختلالات في الاستراتيجية الجديدة؟ هل هناك آليات واضحة لضمان توزيع عادل للموارد؟ وما هي المعايير التي ستعتمدها الحكومة لقياس النجاح أو الفشل؟ فالتقارير وحدها لا تكفي ما لم تُترجم إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع.
إذا كان الهدف المعلن لاستراتيجية "المغرب الرقمي 2030" هو تحقيق تحوّل رقمي شامل، فالمطلوب اليوم هو إرساء قواعد شفافة لضمان عدم تكرار سيناريوهات الماضي. الأموال المرصودة لهذه الاستراتيجية يجب أن تُوجه لتطوير بنية تحتية رقمية متينة، وأن يتم استغلالها لتعميم الخدمات الرقمية وتبسيط الإجراءات الإدارية، لا أن تتحول إلى موارد تُستنزف في مشاريع جانبية لا تعود على المواطن بأي فائدة حقيقية.
وبينما تشير بعض المصادر إلى أن الاستراتيجية الجديدة ستعمل على تحسين أداء الإدارة، يبقى السؤال الأكبر: هل هناك ضمانات حقيقية لتجنب استغلال الأموال المرصودة في أغراض لا علاقة لها بالتنمية الرقمية؟ وأي نوع من الرقابة سيتم فرضه لمتابعة سير هذا المشروع الطموح؟
في كل مرة تُطلق فيها حكومة جديدة برنامجًا طموحًا، تتسلل إلى أذهان المتابعين شكوك مشروعة حول مدى جديتها في التنفيذ. فالتحول الرقمي ليس مجرد وعود وشعارات، بل هو قبل كل شيء إرادة سياسية جادة، ورؤية واضحة لكيفية تحقيق الأهداف المنشودة. وبدون شفافية ومتابعة دقيقة، قد يتحول هذا البرنامج إلى مجرد عنوان جديد في قائمة المشاريع التي أثبتت الأيام فشلها.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يجب أن ندرك أن المحاسبة ليست مجرد إجراء عقابي، بل هي جزء من ضمان نجاح الاستراتيجيات الكبرى. إذا كان الهدف من "المغرب الرقمي 2030" هو نقل المغرب إلى عصر جديد من التحول الرقمي، فعلى الحكومة أن تكون على قدر التحدي، وأن تعي أن هذه المليارات ليست أموالًا تُهدر، بل استثمار في مستقبل البلاد.
إذا كانت الحكومة الحالية تسعى بالفعل إلى تحقيق نقلة نوعية من خلال "المغرب الرقمي 2030"، فلتبدأ أولًا بمراجعة أخطاء الماضي، ولتضع آليات صارمة للرقابة والمتابعة. إن ضخ الأموال دون محاسبة، وإطلاق المشاريع دون رؤية واضحة، لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج نفس الإخفاقات.
لن يتحقق التحول الرقمي بالمغرب ما لم يتم ربط المسؤولية بالمحاسبة. هذه الاستراتيجية قد تكون فرصة حقيقية لتنمية القطاع الرقمي، لكنها أيضًا قد تكون مقبرة جديدة لمليارات أخرى من المال العام. والمواطن المغربي لا يريد شعارات رنانة، بل يرغب في أن يرى تحولًا حقيقيًا ينعكس على حياته اليومية.
هل فعلا "المغرب الرقمي 2030" هو استثمار جاد في المستقبل، أم أنه مجرد حلقة أخرى في مسلسل إهدار المال العام؟ ربما يكون الجواب في قدرتنا على ربط التنفيذ بالمحاسبة، وليس في تكرار الأخطاء.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك