أنتلجنسيا المغرب:أبو جاسر
في خطوة تُعد الأولى من نوعها في شمال إفريقيا، أعلنت شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية العملاقة في مجال الصناعات الدفاعية عن نيتها فتح تمثيلية دائمة لها بالمغرب، في إطار استراتيجية توسعية جديدة تروم تعزيز حضورها في القارة الإفريقية.
ويُنظر إلى هذا القرار كمؤشر استراتيجي بالغ الدلالة على المكانة المتنامية للمغرب في معادلات الأمن والدفاع بالمنطقة، ويعكس حجم الثقة الدولية المتزايدة في قدرات المملكة على احتضان المشاريع الصناعية والتكنولوجية الكبرى ذات الطابع السيادي.
لوكهيد مارتن: عملاق السلاح الأمريكي يراهن على بوابة المغرب
تُعد “لوكهيد مارتن” واحدة من أكبر شركات الدفاع في العالم، حيث توفر أنظمة متقدمة في مجالات الطيران، والفضاء، والرادارات، والصواريخ، والدفاع الإلكتروني. ويمثل حضورها في المغرب تحولا نوعياً في علاقة الشراكة الثنائية، التي لطالما تميزت بصفقات تسليحية كبيرة، كصفقة مقاتلات F-16، وأنظمة الدفاع الجوي باتريوت، فضلاً عن تقنيات الرصد والمراقبة المتطورة.
لكن فتح تمثيلية دائمة في المملكة ليس مجرد إجراء إداري، بل هو إعلان نوايا واضح للاستثمار طويل الأمد، يتجاوز منطق الزبونية العسكرية إلى شراكة صناعية وإستراتيجية عميقة.
المغرب يتحول إلى قاعدة دفاعية صناعية جاذبة
هذا القرار يأتي في سياق التحول الجيوسياسي الذي يشهده المغرب خلال السنوات الأخيرة، حيث عمل على تطوير قدراته الدفاعية بشكل نوعي، مستثمراً في تحديث الجيش، وتنويع مصادر التسلح، وتطوير الصناعات العسكرية الوطنية. كما تُرجمت الإرادة الملكية في جعل السيادة الصناعية والعسكرية إحدى أولويات الدولة من خلال إطلاق مشاريع ذات بُعد دفاعي في مجالات الصيانة، التصنيع، وتكوين الكفاءات.
وبانضمام “لوكهيد مارتن” إلى قائمة الشركات الكبرى التي تتخذ من المغرب قاعدة إقليمية لها، يصبح المشهد الصناعي الدفاعي المغربي أكثر تنوعاً وتكاملاً، ما يعزز موقع المملكة كفاعل محوري في استقرار وأمن المنطقة، من الساحل الإفريقي إلى ضفاف المتوسط.
أبعاد استراتيجية تتجاوز الجغرافيا
لا يمكن قراءة هذه الخطوة بعيداً عن السياق الإقليمي والدولي الراهن. ففي وقت تشهد فيه منطقة الساحل والصحراء اضطرابات أمنية، وتحولات سياسية عميقة، يسعى المغرب إلى تثبيت نفسه كحليف موثوق وشريك استراتيجي للقوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أن وجود “لوكهيد مارتن” على التراب المغربي يعكس رغبة أمريكية واضحة في دعم شريكها الإقليمي في مواجهة التحديات الأمنية التي تشهدها شمال وغرب إفريقيا، وتعزيز قدرات الردع والدفاع، خصوصاً في ظل تصاعد التنافس مع قوى إقليمية أخرى في المنطقة.
فرص اقتصادية وتأهيل للعنصر البشري
من الناحية الاقتصادية، يُرتقب أن يفتح هذا التمثيل الدائم آفاقاً واعدة لتشغيل اليد العاملة المؤهلة، وتكوين الكفاءات في مجالات جد متقدمة تكنولوجياً. ومن المتوقع أن تُواكب الجامعات والمعاهد التقنية المغربية هذا التطور من خلال شراكات تعليمية، وبرامج تكوين خاصة، تضمن نقل المعرفة وتوطين التكنولوجيا.
كما ستُسهم هذه الخطوة في إدماج المقاولات المغربية في سلاسل الإنتاج الدولية المرتبطة بالصناعات الدفاعية، ما يمثل فرصة حقيقية لتطوير النسيج الصناعي الوطني، وتعزيز الصادرات في مجال عالي القيمة.
صناعة الدفاع في المغرب: من الزبون إلى الشريك
خلال سنوات، ظل المغرب زبوناً وفياً للعديد من شركات الصناعات الدفاعية الكبرى. لكنه اليوم، ومع مثل هذه الشراكات النوعية، ينتقل إلى مرحلة جديدة يكون فيها فاعلاً ومشارِكاً في الإنتاج والتطوير، وليس فقط مستهلكاً. ويعكس هذا التحول نضج الرؤية الاستراتيجية المغربية، التي تسعى إلى تحقيق اكتفاء نسبي في بعض القدرات، والتقليل من التبعية الخارجية في مجالات حيوية.
الاستقرار السياسي.. مفتاح الاستثمار الاستراتيجي
من بين العوامل التي ساعدت على استقطاب شركة بحجم “لوكهيد مارتن” نجد الاستقرار السياسي والمؤسساتي الذي ينعم به المغرب، في وقت تعرف فيه دول المنطقة أوضاعاً غير مستقرة، وهو ما يجعل المملكة الوجهة الأكثر موثوقية للشركات العالمية التي تبحث عن قاعدة آمنة ومستقرة لتطوير أعمالها.
من التعاون العسكري إلى التموقع الصناعي
إعلان “لوكهيد مارتن” عن فتح تمثيلية دائمة في المغرب ليس مجرد خبر عابر في صفحات العلاقات العسكرية، بل هو حدث استراتيجي يُعيد رسم معالم الخريطة الدفاعية في المنطقة، ويكرّس المغرب كقطب إقليمي صاعد في مجال الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا المتقدمة.
إنها بداية مرحلة جديدة من الشراكة، تُنذر بتغييرات عميقة في موقع المغرب على الصعيدين الصناعي والجيوستراتيجي، وتجعل من الرباط عاصمة محتملة للتصنيع الدفاعي في القارة الإفريقية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك