مغربنا1-maghribona1
هذا القرار الذي تم التمهيد له عقب قرار استئناف العلاقات والتطبيع بين المغرب وإسرائيل، يُبرز انتقال العلاقات بين البلدين لمرحلة الشراكة الاستراتيجية، خاصة عقب حالة التقدم في العديد من المجالات الاقتصادية والعسكرية الأمنية.
تطورات متكاملة
منذ إعلان إعادة استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، تنامت العلاقات الثنائية على كافة المستويات الاقتصادية والعسكرية، ويأتي الموقف الأخير من جانب الحكومة الإسرائيلية لدعم السيادة المغربية على منطقة الصراع الجيوستراتيجي الجزائري المغربي، ليزيد من تعميق العلاقات الثنائية. وبقراءة سريعة لمسار التطور في الملفات الثنائية يمكن ملاحظة التسارع الكبير في تنامي العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين، وذلك على النحو التالي:
- التمدد الناعم والتعاون الاقتصادي: بدأت جوانب العلاقات الثنائية بين المغرب وإسرائيل في صورة تعاون تجاري واقتصادي، إذ إنها أبرمت اتفاقية للتعاون الاقتصادي في فبراير 2022 ليرتفع في ضوئها حجم التبادل التجاري بنحو أربع مرات خلال أقل من عام لتصل لنحو 500 مليون دولار، ليس هذا فحسب بل تعمل إسرائيل على تعظيم مكاسبها الاستراتيجية مع المغرب في ملف الطاقة، حيث يأتي قطاع الغاز والطاقة المتجددة من بين أولويات التعاون، تُرجمت في إبرام مذكرة تفاهم بين شركة “راسيو بتروليوم” الإسرائيلية مع “المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن” المغربي للتنقيب عن الغاز في مدينة “الداخلة” مطلع أكتوبر 2021، تبعها توقيع مذكرة تعاون بين كل من “نيوميد إنرجي – أداركو إنرجي” الإسرائيليتين مع وزارة الانتقال الطاقي المغربي، تشمل عمليات التنقيب وإنتاج الغاز في إقليم “بوجدور” داخل الصحراء الغربية.
إضافة ما سبق، فإن إسرائيل تستهدف توظيف قدراتها وخبراتها في مجال التكنولوجيا الزراعية لتنمية القطاع الزراعي في المساحات الواقعة جنوب المملكة، ولعل هذا برز في قيام شركة “نطافيم كورب” الإسرائيلية المتخصصة في صناعة معدات الزراعة والري بافتتاح فرع لها في مدينة القنيطرة المغربية وذلك في مارس 2023، سبقها إعلان شركة “مهادرين” إحدى الشركات الزراعية الإسرائيلية بضخ نحو 9 ملايين دولار في زراعة فاكهة الأفوكادو وذلك في أغسطس 2021.
- التحول النوعي في التفاعلات العسكرية: لم يكن القطاع الاقتصادي هو المسار الوحيد لتفعيل التقارب المغربي الإسرائيلي، بل شهدت العلاقات تحولًا نوعيًا وتطورًا غير مسبوق في الملف العسكري، وبرز هذا الانتقال في ثلاثة مؤشرات؛ الأول منها تجلى في إبرام مذكرة تفاهم للتعاون الأمني والعسكري في نوفمبر 2021. بينما يتمثل الثاني في الزيارات العسكرية المتبادلة، إذ أعقب تلك المذكرة تدشين الدولتين مرحلة جديدة للتعاون العسكري عبر تبادل الزيارات العسكرية، فقد شارك “بلخير الفاروق” المفتش العام للقوات المسلحة المغربية في المؤتمر الدولي حول الابتكار في المجال العسكري (مؤتمر الابتكار العملياتي) الذي استضافته إسرائيل في الثاني عشر من سبتمبر 2022، أعقبها محطات متلاحقة من تبادل الزيارات مثلما هو الحال بالنسبة لزيارة “أفيف كوخافي” رئيس الأركان الإسرائيلي (يوليو 2023) وسبقها زيارة “محمد بنوالي” القائد الأعلى لسلاح المدفعية المغربي إلى إسرائيل منتصف فبراير 2023، فضلًا عن إقامة التدريبات العسكرية المشتركة وأبرزها مشاركة قوات من لواء جولاني الاستطلاعية الإسرائيلية في مناورات الأسد الأفريقي 2023 التي أُقيمت بالمغرب وسبقها استضافة تل أبيب وحدة من الكوماندوز المغربي للاشتراك في تدريبات متعددة الجنسيات (يوليو 2021) إلى جانب صفقات الأسلحة لطائرات بدون طيار وأنظمة الدفاع الجوي. ثالث تلك التطورات تأتي في خطوة تعيين العميد “شارون إيتاح” ملحقًا عسكريًا في المغرب، وذلك في منتصف يوليو 2023، كمؤشر كاشف عن إيلاء أولوية للعلاقات الأمنية والعسكرية بين الجانبين، وانتقال مستوى التنسيق بينهما للمستوى الاستراتيجي.
حسابات متباينة
إنّ مجالات التعاون سالفة الذكر الكاشفة لتطورات العلاقات الثنائية ناجمة عن حسابات متباينة للطرفين. وبالنظر إلى الحسابات الإسرائيلية في هذا الأمر، فإن ملف التطبيع مع الدول العربية والخليجية واختراق تلك المساحة الجيوستراتيجية هو بمثابة آلية تسويقية للحكومة الإسرائيلية لتخفيف الانتقادات الداخلية والأزمات المتكررة سياسيًا واقتصاديًا. أيضًا هو عامل مساعد لتعزيز دوائر التواجد الإسرائيلي، خاصة في الدول التي تحظى بثروات طبيعية بما يجعلها تتطلع للاستحواذ على ذلك الملف إقليميًا، ناهيك عن الحسابات التي تتعلق بمساعي إسرائيل لتعظيم مكاسب تطبيعها مع بعض الدول الخليجية والمغرب كبوابة نفاذ للعمق الأفريقي بما يُعزز من مساحة تفاعلاتها الاقتصادية والأمنية والعسكرية.
أما على المستوى المغربي، فتأتي حسابات الرباط في عاملين رئيسين: الأول هو إحداث تفوق نسبي عسكريًا على الجزائر في إطار تطلع كل منهما للهيمنة الإقليمية، ويرتبط بذلك تعزيز قدراتها العسكرية ومن ثم التحول لمركز الاهتمام الأمني الغربي بالتنسيق الأمني والعسكري في شمال أفريقيا والساحل والصحراء، بل وتطلّعها لكي تكون الحليف الاستراتيجي الأول لحلف الناتو في تلك المنطقة. أما العامل الثاني فيتعلق بالرغبة في إحداث نقلة نوعية في ملف الصحراء الغربية، واكتساب شرعية إقليمية ودولية في تصفية ذلك الملف، أولًا بصورة سياسية ودبلوماسية عبر الاعترافات المتلاحقة بالسيادة المغربية على ذلك النطاق، وثانيًا بتفوقها العسكري وتصفية الملف عسكريًا في مرحلة لاحقة بتوجيه ضربات مكثفة على تمركزات جبهة البوليساريو لتفكيكها وتدمير بنيتها التحتية، وذلك من خلال صفقات “الدرونز” وتطوير التكنولوجيا العسكرية بها عبر البوابة الإسرائيلية.
تداعيات داخلية وإقليمية
لقد أوجدت التطورات السياسية والأمنية المغربية الإسرائيلية مساحة انتقاد وتنافر داخلي وإقليمي. فعلى المستوى الوطني، تزايدت وتيرة الانتقادات الموجهة من جانب الرأي العام للحكومة المغربية يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي مستغلًا حالة الاستمالة الشعبية لمناصرة القضية الفلسطينية، ولمعالجة هذا البعد لطالما بينت الرباط أن تقاربها مع إسرائيل لن يكون على حساب حل القضية الفلسطينية، ولكن مع تنامي وتيرة العنف والاستيطان الممنهج من جانب إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، سيجعل معادلة التوازن بين شراكة المغرب وإسرائيل والتزامات الرباط تجاه القضية الفلسطينية صعبة التحقيق.
وعلى المستوى الخارجي، تتزايد مساحة التباعد الفعلية بين الجزائر والمغرب في ضوء توطيد الأخيرة شراكاتها مع إسرائيل، الأمر الذي استوجب معه تحرك جزائري لترسيخ شراكاتها وانفتاحها العسكري على إيران وروسيا والصين، وذلك في ضوء الشواغل الأمنية الجزائرية من التواجد الإسرائيلي بالقرب من الحدود الجزائرية، وهذا الأمر -في حد ذاته- يُشكل تراكمًا لسياسات التباعد بين البلدين واستبعاد القيام بخطوات إيجابية للعودة لما قبل عام 2021، من ناحية ثانية يخلق مساحة للتنافس الإقليمي الشرق أوسطي بين إسرائيل وإيران.
وفي خضم الصراع الميداني صعدت جبهة البوليساريو من عملياتها تجاه القوات الملكية المغربية، إذ إنها في مطلع أغسطس الجاري نفذت عدة هجمات لاستهداف خنادق لعدد من تمركزات القوات المغربية في “جوزة” مع التوسع العرضي للهجمات المسلحة في عدد مناطق أخرى منها: المحبس، أكرارة الفرسيك، روس لكطيطيرة، روس ديرت.
وفي التقدير، فإن الإعلان الرسمي بالاعتراف الإسرائيلي بالسيادة المغربية على الصحراء يُشكل حلقة جديدة نحو تعميق العلاقات الثنائية بين البلدين على مستويات استراتيجية، خاصة العسكرية والاستخباراتية، بما يوجد حالة من التوتر غير المسبوق في دائرة شمال أفريقيا، ويفرض بدوره سباقًا للتسلح إقليميًا خاصة بين قطبي المنطقة المغاربية: الجزائر والمغرب.
إعداد:عبد المنعم علي:
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك