أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر
في وقت تتسابق فيه دول العالم لتأمين مواردها من المعادن الاستراتيجية لمواجهة التحديات التكنولوجية والصناعية المستقبلية، فجّر المغرب مفاجأة جيولوجية من العيار الثقيل بإعلان اكتشاف احتياطي ضخم من معدن القصدير الخام بمنجم "أشماش"، الواقع على بُعد كيلومترات فقط من مدينة مكناس، وسط البلاد.
هذا الاكتشاف غير المسبوق، الذي يتجاوز حجمه 39 مليون طن من القصدير الخام المؤكد، يضع المغرب في قلب المعادلة الجيو-اقتصادية الجديدة، ويجعل من هذا المنجم أحد أكبر الرواسب غير المستغلة من القصدير في العالم.
من منجم مهمل إلى كنز استراتيجي
منجم "أشماش"، الذي ظل لسنوات طويلة بعيداً عن الأضواء، تحول في رمشة عين إلى مركز اهتمام عالمي بعد أن أثبتت التحاليل الجيولوجية المتقدمة وجود كميات ضخمة من القصدير ذات جودة عالية.
وتم تأكيد أن طبيعة التكوينات المعدنية في المنطقة تُسهّل نسبياً عمليات الاستخراج والمعالجة، ما يعني أن تكلفة الاستثمار قد تكون مغرية مقارنةً بمنطقة تتمتع باستقرار سياسي واقتصادي كالمغرب.
هذا الاكتشاف يأتي في وقت يعرف فيه سوق القصدير العالمي طلباً متزايداً، خاصةً في ظل تسارع الابتكار التكنولوجي والانتقال الرقمي، حيث يُستخدم القصدير بشكل واسع في الصناعات الإلكترونية الدقيقة، وخصوصاً في تصنيع الرقائق الإلكترونية، والدوائر المطبوعة، واللحام الصناعي، فضلاً عن استعماله في قطاع السيارات الكهربائية والتخزين الطاقي.
مكناس في قلب الخريطة العالمية للمعادن
اقتصادياً، قد يُعيد هذا المنجم رسم الخريطة التنموية لجهة فاس-مكناس، حيث يُتوقع أن يخلق آلاف مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة، ويحفّز البنية التحتية الصناعية في المنطقة.
فمدينة مكناس، التي عرفت طويلاً بهدوئها الزراعي والتاريخي، قد تتحول إلى قطب صناعي تعديني جديد، إذا تم تطوير البنية التحتية والموانئ اللوجستية الداعمة لاستخراج وتصدير القصدير.
كما أن هذا الاكتشاف قد يجلب اهتماماً استثمارياً دولياً متزايداً، لا سيما من طرف القوى الاقتصادية الكبرى التي تسعى جاهدة لتأمين إمداداتها من المعادن الأساسية، بعيداً عن المخاطر الجيوسياسية التي تحيط ببعض المناطق المنتجة التقليدية.
القصدير..معدن صغير بقيمة استراتيجية كبرى
رغم أن القصدير لا يحظى بنفس البريق الإعلامي للذهب أو الليثيوم، إلا أنه يُعد من المعادن الاستراتيجية ذات الأهمية القصوى في سلاسل الإنتاج العالمية.
ويتم حالياً تصنيفه ضمن قائمة "المعادن الحساسة" من طرف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، نظراً لدوره الحيوي في الابتكار التكنولوجي واستدامة الطاقة.
ما يرفع من قيمة الاكتشاف المغربي هو السياق العالمي المتوتر، حيث تعرف أسعار القصدير تقلبات شديدة نتيجة عدم الاستقرار في بعض الدول المنتجة الكبرى مثل إندونيسيا وبوليفيا، بالإضافة إلى ارتفاع الطلب على المدى الطويل في الصناعات النظيفة.
هذا يعني أن المغرب أمام فرصة تاريخية لبناء سيادة معدنية وطنية تضعه في موقع تفاوضي قوي ضمن الأسواق العالمية.
تحديات أمام الآفاق الواعدة
رغم الأرقام المشجعة والآفاق الواسعة، فإن الطريق نحو استغلال فعال لمنجم "أشماش" لن يكون خالياً من التحديات.
من أبرزها ضرورة وضع إطار قانوني وبيئي صارم لضمان استغلال مستدام يحترم التوازنات البيئية المحلية ويحمي حقوق الساكنة.
كما أن المغرب مطالب بتطوير سلسلة القيمة المحلية المرتبطة بالقصدير، عوض الاقتصار على تصدير المادة الخام، من أجل خلق قيمة مضافة حقيقية تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني.
من جانب آخر، فإن تطوير هذا المنجم يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية، من طرق وموانئ، ومراكز لمعالجة المعدن، بالإضافة إلى تكوين اليد العاملة المحلية لتواكب المعايير التقنية المطلوبة.
المغرب على مشارف تحول استراتيجي
في المحصلة، يمثل اكتشاف منجم القصدير بـ"أشماش" فرصة اقتصادية نادرة، تحمل معها آفاقاً تنموية واعدة ليس فقط لجهة مكناس، بل للمغرب بأكمله، في أفق ترسيخ موقعه كقوة صاعدة في عالم المعادن الاستراتيجية.
فهل سينجح المغرب في استثمار هذه الورقة الرابحة وتحويلها إلى رافعة للتنمية الوطنية، أم ستُهدَر كما ضاعت فرص مشابهة في الماضي؟
الجواب في القادم من السياسات، والتحالفات، والاختيارات الاقتصادية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك