لماذا لا يصل سمك المملكة إلى موائد المغاربة؟ ومن المسؤول عن رفع الأسعار وتحويل خيرات البحر إلى حلم بعيد المنال؟

لماذا لا يصل سمك المملكة إلى موائد المغاربة؟ ومن المسؤول عن رفع الأسعار وتحويل خيرات البحر إلى حلم بعيد المنال؟
تقارير / الخميس 23 يناير 2025 20:00:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين

على الرغم من أن المغرب يُعد من أبرز الدول المصدرة للأسماك على المستوى العالمي، بفضل سواحله الممتدة على طول 3500 كيلومتر وغناه بـ500 نوع من أجود أنواع الأسماك، إلا أن المواطن المغربي يجد نفسه عاجزًا عن شراء هذه الثروة البحرية التي تُصدَّر بأسعار زهيدة إلى الخارج، في حين تباع بأسعار خيالية داخل البلاد.

هذه المفارقة، تثير العديد من الأسئلة حول أسباب غلاء السمك، وأدوار السماسرة والوسطاء في التحكم بالسوق، وحقيقة الرقابة على الأسعار، إضافة إلى اقتراح حلول واقعية تتيح للمغاربة التمتع بخيرات بلادهم.

من الميناء إلى موائد المواطنين:رحلة السمك المضاعفة في الثمن

عند زيارة أسواق الجملة بالموانئ، يدهش الزائر لرؤية الأسعار المنخفضة للأسماك الطازجة، فالكيلوغرام من السردين يُباع في سوق الجملة بثمن لا يتعدى 3 دراهم أحيانًا، بينما يصل إلى 20 درهمًا أو أكثر عند بيعه بالتقسيط في الأسواق.

والأنواع الأخرى من الأسماك، كالقمرون أو الشرغو، قد يصل سعرها عند المستهلك إلى سبعة أضعاف ما تم بيعه به في سوق الجملة.

هذه الفجوة الشاسعة بين سعر الجملة وسعر التقسيط، تُفسَّر بتدخل عدة أطراف في سلسلة التوزيع، من بينهم، السماسرة والوسطاء المعروفون في المغرب باسم "الشناقة"، الذين يسيطرون على تجارة الأسماك، ويُضيفون تكاليف غير مبررة في كل مرحلة من مراحل التوزيع، مما يؤدي إلى رفع الأسعار بشكل مهول، دون أي رقابة فعلية على هذه العمليات.

دور السماسرة في تحديد الأسعار

يُعتبر السماسرة، الحلقة الأكثر تأثيرًا في سوق السمك المغربي، حيث يتحكمون في الكميات المتوفرة في السوق، ويوجهونها بحسب مصالحهم.

هؤلاء الوسطاء غالبًا ما يقتنصون الفرص لإعادة شراء الأسماك من سوق الجملة بكميات كبيرة، ثم يحتكرونها أو يوجهونها إلى أسواق معينة، مما يُفاقم أزمة العرض والطلب ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل مصطنع.

ورغم وعود الجهات المسؤولة، بالتصدي لهذه الممارسات، إلا أن الفجوة بين الخطابات الرسمية والواقع على الأرض تجعل المواطن المغربي يتساءل:أين دور مؤسسات الرقابة؟ ولماذا لا يتم تفعيل القوانين التي تضع حدًا لممارسات الاحتكار؟

السمك المغربي في أوروبا أرخص! كيف ذلك؟

من المفارقات الصادمة، أن السمك المغربي يُباع بأسعار أقل في الأسواق الأوروبية مقارنة بالمغرب.

ففي باريس مثلا أو مدريد، يُمكن العثور على سمك مغربي طازج بأسعار معقولة جدًا، وهو ما يجعل المغاربة يتساءلون:كيف يُمكن لبلد المصدر أن يشتري أسماكه بأسعار أعلى من المستوردين؟

هذا الواقع، يُفسَّر بتركيز المغرب على تصدير كميات كبيرة من الأسماك إلى الخارج لجلب العملة الصعبة، مما يجعل العرض المحلي شحيحًا ومرتبطًا بشروط تسويقية صارمة.

بالمقابل، تعتمد الأسواق الأوروبية، على اتفاقيات تجارية تضمن الحصول على هذه المنتجات بأسعار تنافسية، بينما يُترك المواطن المغربي عرضة للسماسرة والأسعار الملتهبة.

أين الرقابة؟ وهل المستهلك محمي؟

رغم وجود مؤسسات رسمية مسؤولة عن مراقبة الأسعار، مثل مجلس المنافسة ومصالح وزارة الفلاحة والصيد البحري، إلا أن غياب تطبيق صارم للقوانين، يجعل هذه الجهات تبدو عاجزة عن كبح ممارسات الاحتكار والاستغلال.

فالمستهلك المغربي، يُعاني من غياب حماية حقيقية، في ظل ضعف الجمعيات المعنية بالدفاع عن حقوقه.

ورغم أن القانون، يمنح السلطات صلاحيات فرض عقوبات على المخالفين، إلا أن التنفيذ يظل محدودًا وغير كافٍ لضمان العدالة في السوق.

الحلول المقترحة:هل يمكن للمغاربة أكل خيراتهم؟

لكي يتمكن المغاربة من الاستفادة من ثرواتهم البحرية، يجب اتخاذ حزمة من الإجراءات تشمل:

تفعيل القوانين الصارمة لمكافحة الاحتكار: ينبغي فرض رقابة مشددة على عمليات توزيع السمك من الموانئ إلى الأسواق، مع مراقبة دور الوسطاء والحد من تدخل السماسرة.

تعزيز البيع المباشر للمستهلك: يمكن خلق أسواق محلية متصلة مباشرة بالموانئ، حيث يُباع السمك للمستهلك دون وسطاء، مما يُقلل من تكلفة التوزيع.

تحسين آليات التصدير: بدلاً من تصدير كميات ضخمة من الأسماك الخام، يمكن الاستثمار في صناعات تحويلية محلية تُضيف قيمة للمنتجات البحرية، مع تخصيص كميات كافية للأسواق المحلية.

تشجيع التعاونيات المحلية: إنشاء تعاونيات تعاونية بين الصيادين الصغار يُمكن أن يُقلل من هيمنة الوسطاء ويضمن توفير السمك بأسعار مناسبة.

التوعية وحماية المستهلك: يجب دعم جمعيات حماية المستهلك لتعزيز الوعي لدى المواطنين بحقوقهم، مع توفير قنوات لتلقي الشكاوى والتدخل السريع ضد المخالفات.

الثروة التي لا تصل إلى شعبها

يظل ارتفاع أسعار السمك في المغرب، قضية تعكس خللاً عميقًا في سياسات توزيع الثروة والرقابة على السوق.

ورغم أن المغرب يُعد من أكبر المصدرين للأسماك في العالم، فإن المواطنين يعانون من حرمانهم من هذه الخيرات بسبب هيمنة السماسرة وضعف الرقابة.

فالمطلوب اليوم هو إرادة سياسية قوية، لوضع حد لهذه الأزمة وضمان استفادة المغاربة من ثروات وطنهم البحرية، حتى لا يبقى سمك المغرب حلمًا بعيد المنال على موائد مواطنيه.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك