أنتلجنسيا المغرب:لبنى مطرفي
كشف المحجوب السالك، أحد مؤسسي جبهة البوليساريو، عن معطيات صادمة حول خلفيات تأسيس الجبهة، وكيف تحولت من حركة تحررية إلى أداة سياسية في يد الجزائر.
وأكد السالك أن الهدف الأساسي عند نشأة البوليساريو كان تحرير الصحراء المغربية من الاستعمار الإسباني، وليس إقامة كيان انفصالي، مشيرًا إلى أن انطلاقه نحو النضال المسلح كان بدافع الجهاد ضد المحتل الإسباني، كما قال لوالده حينها: "يا أبي، أنا ذاهب للجهاد على طريقك ضد الاستعمار الإسباني والنصارى، من أجل تحرير الصحراء."
وفي حديثه خلال ندوة حول "قضية الصحراء المغربية على ضوء التحولات الجيوسياسية والدبلوماسية"، التي نظمتها منظمة التجديد الطلابي يوم 26 فبراير 2025، استعرض السالك المراحل التي مرت بها الجبهة قبل أن تتحول إلى أداة في صراع سياسي إقليمي. وأوضح أن البداية كانت عندما رأى الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي في الجبهة فرصة لتحقيق مصالحه الإقليمية، فبدأ في دعمها بالمال والسلاح. لكن سرعان ما تدخلت الجزائر، مطالبة قادة البوليساريو بعدم الاعتماد على ليبيا، وعرضت عليهم الدعم العسكري والتدريب، ليتحول الدعم الجزائري من مجرد تسهيلات لوجستية إلى تدخل مباشر في رسم مسار الجبهة.
وأكد السالك أن الجزائر لم تكن تسعى إلى تحرير الصحراء، بل كانت تستخدم الجبهة كورقة ضغط ضد المغرب فيما يتعلق بالخلاف الحدودي حول منطقة تندوف. وأضاف أن أعضاء البوليساريو كانوا مجرد ضحايا لمخطط دولي لم يدركوا أبعاده في البداية، إلى أن جاء خطاب الملك الحسن الثاني عام 1974، الذي أكد فيه ضرورة تحرير الصحراء. حينها، تدخلت الجزائر مباشرة وقالت إن هدفها هو إقامة "دولة جمهورية" في الصحراء، مما أدى إلى انحراف الجبهة عن مسارها الأصلي.
وبعد مقتل الولي مصطفى السيد، الذي كان رافضًا للخضوع للجزائر، تحولت الجبهة بالكامل إلى أداة تابعة للمخابرات الجزائرية، التي نصّبت محمد عبد العزيز زعيمًا لها رغم أنه لم يكن من القادة المؤسسين، بل كان مجرد إطار من الطبقة الوسطى. ومنذ ذلك الحين، فقدت الجبهة قيمتها كثورة تحررية، وأصبحت مجرد وسيلة لإزعاج المغرب وليس لتحرير الصحراء.
وفي هذا السياق، بدأت موجة من القمع داخل الجبهة، حيث تعرّض المعارضون لمخطط التقسيم للاعتقال والتعذيب. وأشار السالك إلى أنه شخصيًا تعرض للاعتقال لمدة 8 سنوات في ظروف غير إنسانية، حيث احتُجز في "قبر تحت الأرض" وليس في سجن عادي، مؤكدًا أن الكثير من المعتقلين فقدوا عقولهم، فيما لقي آخرون حتفهم تحت التعذيب.
وأشار السالك إلى أن الصراع حول الصحراء المغربية لم يعد سوى نزاع مغربي-جزائري على الهيمنة في المنطقة المغاربية، بينما أصبح الصحراويون مجرد وقود لهذا النزاع. وأوضح أن الجزائر وليبيا أنفقتا مليارات الدولارات على الدعاية الإعلامية والتعبئة الدبلوماسية لصالح البوليساريو، ما جعل العديد من الدول الإفريقية والعالمية تنساق وراء سردية مغلوطة دون إدراك حقيقة الوضع.
ومع مرور العقود، بدأ الدعم الدولي للبوليساريو يتراجع بشكل ملحوظ، خاصة بعد تولي الملك محمد السادس العرش، واستعادة المغرب لمكانته داخل الاتحاد الإفريقي. وبيّن السالك أن الجزائر والبوليساريو لم تعودا قادرتين على الترويج للمصطلحات القديمة مثل "الغزو المغربي" و"الاستعمار المغربي"، إذ أصبح الخطاب الدولي يتحدث فقط عن "النزاع في الصحراء الغربية"، ويدعو لإيجاد حل في إطار الأمم المتحدة.
وأكد السالك أن القيادة الجزائرية والبوليساريو باتتا على قناعة اليوم بأن إقامة "دولة" في الصحراء أصبح مستحيلًا، نظرًا لغياب مقومات الدولة، ولأن الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا باتت تعترف بسيادة المغرب على الصحراء، مما يجعل من الواضح أن القضية حُسمت لصالح المغرب، حتى وإن لم يتم الإعلان عن ذلك رسميًا بعد.
وعن الحل النهائي لهذا النزاع، يرى السالك أن إنهاء القضية بشكل كامل يتطلب عدة خطوات أساسية، أبرزها خروج ملف الصحراء من اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، ووقف أي نقاش حوله داخل مجلس الأمن، بالإضافة إلى إنهاء مهمة بعثة "المينورسو" وعدم ترك أي منطقة شرق الجدار الرملي تحت سيطرة البوليساريو.
وشدد السالك على أن المغرب مطالب بالتحلي بالشجاعة والمضي قدمًا في تنفيذ الحكم الذاتي داخل الأقاليم الصحراوية، بالتعاون مع الصحراويين الموجودين داخل المغرب، والذين يفوق عددهم بكثير أولئك المتواجدين في مخيمات تندوف، حيث ينحدر أغلب سكان المخيمات من مناطق خارج الصحراء، مثل تندوف وبشار في الجزائر، بالإضافة إلى مالي وموريتانيا.
بهذا الطرح، يبرز السالك أن البوليساريو لم تكن منذ البداية حركة انفصالية، بل جبهة تحررية تم التلاعب بها من قبل قوى إقليمية ودولية، بهدف تحقيق مصالحها الخاصة، وهو ما حوّل الصحراويين إلى ضحايا لنزاع جيوسياسي لم يخدم مصالحهم في شيء. ومع تغير المعادلة الدولية، باتت الجزائر والبوليساريو في موقف أضعف من أي وقت مضى، بينما يواصل المغرب تعزيز مكاسبه الدبلوماسية في سبيل إغلاق هذا الملف بشكل نهائي.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك